بينهما كتاب الله فى صورة مقروءة، كى يفيد منه الناس جميعا على تعاقب الأزمان، فما تغنى الرّقاع ولا غيرها، ثم هى عرضة للبلى والتشتت، وما يغنى الحفظة، وهم إلى فناء، ولا الناقلون عنهم، وليس لهم ميزة المعاصرة.
ويحرّك الله المسلمين لهذه الحسنة حين استحر القتل يوم اليمامة بقرّاء القرآن، فيخف عمر بن الخطاب إلى أبى بكر، وكان عندها خليفة، وكان الذى استخف عمر إلى أبى بكر فزعه من أن يتخطف الموت القرّاء فى مواطن أخرى، كما تخطفهم فى ذلك الموطن- أعنى اليمامة- فيضيع على المسلمين جمّاع دينهم ويعزّ عليهم كتابهم.
وحين جلس عمر إلى أبى بكر أخذ يناقشه فيما أتى إليه، من جمع القرآن، بعد أن بسط السّبب الحافز، وتلبّث أبو بكر يراجع نفسه، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت، وكان من كتّاب الوحى، كما مرّ بك، وحضر زيد مجلس أبى بكر وعمر وسمع منهما ما هما فيه، فإذا هو معهما فى الرأى، وإذا أبو بكر حين يجد من زيد حسن الاستجابة يتّجه إليه يقول: إنّك شابّ عاقل لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله، فتتبّع القرآن فاجمعه.
ومضى زيد يتتبع القرآن يجمعه ويكتبه، وكان زيد حافظا، فيسّر عليه حفظه ما كلّف به، ولكنه كان إلى هذا لا يقنع فى إثبات الآية يختلف فيها إلا بشهادة.
واجتمعت هذه الصّحف فى بيت أبى بكر حياته، ثم فى بيت عمر حياته.
١٢- مصحف عثمان
وكما حرّكت محنة اليمامة عمر إلى حسنة، حرّكت محنة أخرى- بعد مقتل عمر- عثمان إلى حسنة، فقد قدم حذيفة بن اليمان من حرب أرمينية وأذربيجان على عثمان فزعا من اختلاف المسلمين فى قراءة القرآن، يقول لعثمان: أدرك الأمّة قبل أن يختلفوا.
وكما استجاب أبو بكر إلى عمر استجاب عثمان إلى حذيفة، فأرسل عثمان يطلب الصّحف من عند حفصة بنت عمر، زوج النبى. وأرسلت حفصة بالصّحف إلى عثمان، وجمع عثمان إليه زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزّبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وكلّهم من كتّاب