للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر بالمدينة، ولم يكن حى من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين ذكر وقبل أن يذكر، من هذا الحى من الأوس والخزرج، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود، وكانوا لهم حلفاء ومعهم فى بلادهم.

٢٩- ما لقى الرسول من قومه

ثم إن قريشا اشتد أمرهم، للشقاء الذى أصابهم فى عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أسلم معه منهم، فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفهاءهم، فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفى به مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم، واعتزال أوثانهم، وفراقه إياهم على كفرهم.

واجتمع أشرافهم يوما فى الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم.

فبينما هم فى ذلك، إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفا بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول، فعرف ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرف ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف ثم قال: «أتسمعون يا معشر قريش. أما والذى نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح «١» » .

فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه


(١) بالذبح، يعنى: بالهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>