فى خضم هذه الحياة الواسع المضطرب كان لا بد للناس من هداة يرسمون لهم الطريق إلى الخير ويبينون لهم مزالق الشر، كى تستقيم بهم ولهم حياتهم.
والهداة كما يكونون من صنع المكان والزمان.، شأنهم فى ذلك شأن غيرهم من عباقرة الفن والعلم يهيشهم وجودهم بملابساته وأحداثه إلى منزلة من المنازل التى يحتلونها على أساس من فطرة يخصون بها من بين لداتهم، كما يكونون كذلك يكونون من صنع السماء، والفرق بين الحالين أنهم فى الأولى مستنبطون وفى الثانية ملهمون. وهم فى الأولى ذوو رأى يعرضونه، وفى الثانية ذوو أمر يبلغونه.
وهذا هو الفرق بين الرائى والملهم. وإذ كانا مستويين فى تقدير الناس لأول وهلة كان لا بد من أن يظهر على يد ثانيهما ما يدفع هذا التساوى، وكان لا بد أن يكون هذا الذى يظهر على يديه معجزا لا يتأتى للأول فعله، ولا قوة لمألوف حياة الناس على مثله، مع اختلاف الأزمنة والبيئات.
فالمعجز لا يتحقق إعجازه إلا إذا لم يسبقه شبهه فى عصر مّا ولا فى مكان مّا، وإلا إذا لم يقم له شبهه فى عصره الذى ظهر فيه بجميع بيئاته. ثم هو بهذين مالك حجته على المستقبل، لا يصح أن ينكشف هذا المستقبل عن شبيه بهذا المعجز، وإلا كان هذا المعجز نوعا من السبق تهيأت أسبابه لفرد قبل فرد وفى عصر دون عصر وفى بيئة دون بيئة.
بهذا كله اتصفت حجة السماء كى تسمو على حجة الأرض وكى تملك أن تقنع الناس، وكى تملك أن يقتنع الناس بها.
ولعل معترضا يقول: إذن فلا يصح تسليم بيئة بمعجز قيل أن يتم لهذه البيئة تعرف حكم البيئات الأخرى على هذا المعجز، كما أنه لا يصح أن يعجل المرء على التسليم، بل لا بد أن يرخى له إلى أن يبلغ غايته.
ولقد فات هذا المعترض أن التسليم بالمقبول عقلا أو قوة فطرة الحياة وبها