تمضى، والتخلف عن هذا تعطيل لسنة الحياة ووقوف بالعقل دون أن يقضى فى شىء، والأمر فى الدينيات يزيد شيئا، إذ التسليم بها أو التأبى عليها أمران لهما حكمهما فى مصير الإنسان، وإن هو ودع حياته دون أن يأخذ بالأصلح مضى بوزره، ثم إن هذا الذى اشترطناه من إجماع البيئات والعصور دليل توكيد لا دليل إثبات، يقوم حجة للخلف البعيد عن المعجزة مقام الدليل للسلف الذى عاصر المعجزة، فما جاء على يد، موسى عليه السلام لم يسبق إليه ولم يستطعه عصره ويجب أن يمتد هذا إلى الأبد، وما جاء على يد عيسى عليه السلام لم يسبق إليه ولم يستطعه عصره، ويجب أن يمتد هذا إلى الأبد.
وثمة شىء أحب أن أضيفه غير إجماع البيئات وإجماع العصور، وهو أن تكون المعجزة مما تكون أسبابه مملوكة، أو متخيلة فعلا أو قوة لمن تتحداهم، وأن يكونوا ذوى أهلية للحكم عليها، على أى لون كانت هذه الأهلية: ذاتية، مثل أن تتحدى الطبيب بطب، أو حملية مثل أن تتحدى بالطب غير الطبيب، إذ المفروض فيما يتحدى به أن يشمل من يعرف عنه ومن لا يعرف عنه، وإن اختلف موقف كل منهما من هذا المتحدى به. فإقرار العارف يختلف لا شك عن إقرار الجاهل إدراكا وتفهما، أو أهلية توثقية، مثل أن تكلف الأعمى مثلا الإقرار بإعجاز ما من شأنه أن يرى، إذ عليه أن يؤمن بما لم ير، ولكن عليه أن يتوثق لهذا الإيمان بما يشاء دون إعنات، وقريب من إيمان الأعمى إيمان أهل بيئة بما وقع فى بيئة أخرى، أو إيمان أهل عصر بما وقع لأهل عصر سابق، ومن هذه الأهلية التوثقية إيمان غير العربى بإعجاز كلام عربى، فهو والأعمى فيما لا يرى سواء، وكذلك فيما كان فيه اختلاف فى البيئة أو اختلاف فى العصر.
ومما أجراه الله تعالى على يد موسى عليه السّلام مثلا فى عصاه، كان هذا مما يملك قوم موسى أسبابه قوة، وكانوا منه على أهلية بمراتبها الثلاث، الذانية والحملية والنوثقية.
وما أجراه الله تعالى على لسان رسوله محمد صلى الله وسلم من قرآن كريم، كان