فمنهم من يجعلها أسماء للسور، تعرف كل سورة بما افتتحت به منها، فهى أعلام تدل على ما تدل عليه الأسماء من أعيان الأشياء، وتفرق بينها، فإذا قال القائل:
قرأت «المص» ، أو قرأت «ص» ، أو «ن» ، دل بذاك على ما قرأ.
ولا يرد هذا أن بعض هذه الأسماء يقع لعدة سور، مثل «حم» و «الم» ، إذ من الممكن التمييز بأن يقول:«حم السجدة» و «والم» البقرة، كما هى الحال عند وقوع الوفاق فى الأسماء، فتمييزها بالإضافات، وأسماء الأباء والكنى.
ويجعلها بعضهم للقسم، وكأن الله عزّ وجل أقسم بالحروف المقطعة كلها، واقتصر على ذكر بعضها من جميعها، فقال:«الم» وهو يريد جميع الحروف المقطعة كما يقول القائل: تعلمت «اب ت ث» ، وهو لا يريد تعلم هذه الأحرف دون غيرها من الثمانية والعشرين.
ولقد أقسم الله بحروف المعجم لشرقها وقضلها، إذ هى مبانى كتابه المنزل على رسوله.
ويجعلها بعضهم حروفا مأخوذة من صفات الله تعالى يجتمع بها فى المفتتح صفات كثيرة، ويكون هذا فنّا من فنون الاختصار عند العرب.
وهذا الاختصار عند العرب كثير. يقول الوليد بن عقبة، من رجز له:
قلت لها قفى فقالت قاف أى قالت: قد وقفت، فأومأ بالقاف إلى معنى الوقوف.