للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلها دفاعا عن النفس وذيادا عن الحق، فلقد لبث الرسول بالمسلمين منذ بدأت الدعوة ثلاث عشرة سنة داعيا إلى الله بالمعروف، يعرض به كما يعرض بالمسلمين، فلا يعنيه ولا يعنيهم هذا التعريض، ويؤذى المسلمون بين يديه فيدعوهم إلى الصبر ولا يهيجهم إلى الشر، وكان ذلك يظن عن ضعف حين كان المسلمون قلة فما بالك بهم بعد أن أصبحوا كثرة. وكم من أيام آب فيها الصحابة إلى الرسول وهم ما بين مشجوج ومضروب يستأذنونه فى أن يردوا عن أنفسهم أو يثأروا من ضاربيهم فما كان جواب الرسول لهم إلا

قوله: اصبروا فإنى لم أومر بقتالهم.

وكانت حكمة السماء فى هذا الصبر أن يخرج الرسول بالأمة العربية من بعده على ود لم يعكره عداء أو عدوان، وكانت حكمتها فى الإرخاء فيه إلى أن بلغ ثلاثة عشر عاما أن تعذر إلى من لم يسلموا، ولم يكونوا غير أهل وإخوان، الإعذار كله فلا تذر فى أيديهم سببا من أسباب اللوم، ثم كانت حكمة السماء فى هذا الصبر الطويل أن تخلق فى المسلمين قوة الاحتمال والجلد والأناة والترفق، إلى غير ذلك من صفات تعوز النفوس المقبلة على مهام جسمية، وهل كانت رسالة الإسلام إلا رسالة جسمية؟

حتى إذا ما أعذر المسلمون إلى إخوانهم وأبلغوا فى الإعذار، وصبروا وأمعنوا فى الصبر، لم يكن بد من أن تتولى حكمة السماء هؤلاء الصابرين بتدبر يحفظ عليهم صبرهم من أن ينفد، ويحفظ عليهم وجودهم من أن يستذل، وترعى لهم كيانهم من أن يهان، وما جاءت الدعوة الجديدة إلا لتحمى لهؤلاء وجودهم وكيانهم، لهذا أذن للرسول فى أن يدفع عن نفسه، وعن المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>