وكان اختيار الله له أميّا لا يقرأ ولا يكتب يضيف إلى إذعان الناس له وإيمانهم برسالته سببا يفسره تعالى فى قوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ «١» . ويبيّنه صدور هذا الوحى على لسانه يتلوه على قومه بكرة وعشيّا، ولا تبديل فيه ولا تغيير، وما يقوى على مثلها إلا من يملك أسفارا يعود إليها ليستظهر ما فيها.
وليس فى منطق الرسالات أن تكون الحجّة للناس عليها، بل لا تطالع الناس إلا والحجّة لها عليهم، كما لا تطالعهم إلا وفى صفحاتها الجواب على كل ما يصوّره لهم تصوّرهم، تحوط السماء رسالاتها بهذا كله لكيلا يكون للناس على الله حجة، وليكون منطق الرسالات من منطق الناس، لا تلتوى عليهم الرسالة فيلتووا هم عليها.
ولم يكن اختيار محمد صلى الله عليه وسلم قارئا وكاتبا شيئا يعزّ على السماء، ولكنه كان شيئا إن تمّ يهوّن من حجّة السماء فى نفوس الناس، وكانوا عندها يملكون أن يقولوا باطلا ما حرص القرآن على ألا يقولوه: من أن هذا الذى جاء به الرسول قد أخذه من أسفار سابقة.
وهذه التى ألزمتها حجة السماء السلف من قبل، فأذعنوا لها عن وعى وبصر- وأعنى بها أمية الرسول- أراد أن يثيرها نفر من الخلف من بعد ليخرجوا على حجة السماء عن غير وعى ولا بصر.
غير أننا نفيد من هذا الذى يريد الخلف أن يثيروه تأكيد المعنى الذى قدّمناه من أن حجة السماء تجىء أشمل ما تكون بشكوك العقول، محيطة بكل ما يصدر عنها، يستوى فى ذلك أولهم وآخرهم.
وقد ننسى، مع هؤلاء المخالفين الطاعنين، تقرير القرآن الصادق عن أمية محمد والادلّة القائمة فى ظلّ القرآن على ذلك، قد ننسى هذا وذاك لنسائلهم: أى جديد يفيدهم هذا- إن صح- وقد مضى على رسالة محمد ما يقرب من أربعة عشر قرنا خطا فيها العلم والبحث خطوات سريعة، وما وجدنا شيئا ينال من هذه الرسالة من قرب أو من بعد، جهر به أو أسرّ من يريدون أن يجعلوا محمدا قارئا كاتبا، وأن يجعلوا من هذا سببا إلى أنه نقل عن أسفار سابقة.