بالكرم فى قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وبالمجد فى قوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ والاستثناء إيراد لفظ يقتضى رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم أو يقتضى رفع حكم اللفظ فمما يقتضى رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ، قوله عز وجل: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً الآية وما يقتضى رفع ما يوجبه اللفظ فنحو قوله: واللَّه لأفعلن كذا إن شاء اللَّه، وامرأته طالق إن شاء اللَّه، وعبده عتيق إن شاء اللَّه، وعلى هذا قوله تعالى: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ.
(ثوب) : أصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة وهى الحالة المشار إليها بقولهم أول الفكرة آخر العمل فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم ثاب فلان إلى داره وثابت إلى نفسى، وسمى مكان المستسقى على فم البئر مثابة ومن الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة، الثوب سمى بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدرت له، وكذا ثواب العمل، وجمع الثوب أثواب وثياب وقوله تعالى: وَثِيابَكَ وكذا ثواب العمل، وجمع الثوب أثواب وثياب وقوله تعالى: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ يحمل على تطهير الثوب وقيل الثياب كناية عن النفس لقول الشاعر:
ثياب بنى عوف طهارى نقيّة
وذلك أمر بما ذكره اللَّه تعالى فى قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً والثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فيسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو هو ألا ترى كيف جعل اللَّه تعالى الجزاء نفس الفعل فى قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ولم يقل جزاءه، والثواب يقال فى الخير والشر لكن الأكثر المتعارف فى الخير وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ- فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وكذلك المثوبة فى قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ فإن ذلك استعارة فى الشر كاستعارة البشارة فيه. قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ والإثابة تستعمل فى المحبوب قال تعالى: فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وقد قيل ذلك فى المكروه نحو فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ على الاستعارة كما تقدم، والتثويب فى القرآن لم يجىء إلا فى المكروه نحو هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ وقوله عزّ وجلّ: