الافتقار المعنى بقوله: إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وعلى هذا الوجه قيل:
اللهم أغننى بالافتقار إليك ولا تفقرنى بالاستغناء عنك. وقيل بل من الخلة واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه، قال أبو القاسم البلخي: هو من الخلة لا من الخلة، قال: ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ لأن اللَّه يجوز أن يجد عبده فإن المحبة منه الثناء ولا يجوز أن يخاله، وهذا منه اشتباه فإن الخلة من تخلل الود نفسه ومخالطته كقوله:
قد تخللت مسلك الروح منى ... وبه سمى الخليل خليلا
ولهذا يقال تمازج روحانا. والمحبة البلوغ بالود إلى حبة القلب من قولهم حببته إذا أصبت حبة قلبه، لكن إذا استعملت المحبة فى اللَّه فالمراد بها مجرد الإحسان وكذا الخلة، فإن جاز فى أحد اللفظين جاز فى الآخر فأما أن يراد بالحب حبة القلب، والخلة التخلل فحاشا له سبحانه أن يراد فيه ذلك. وقوله تعالى: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ أي لا يمكن فى القيامة ابتياع حسنة ولا استجلابها بمودة وذلك إشارة إلى قوله سبحانه: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وقوله: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ فقد قيل هو مصدر من خاللت وقيل هو جمع، يقال خليل وأخلة وخلال والمعنى كالأول.
(خلد) : الخلود هو تبرى الشيء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي هو عليها، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود كقولهم للأثاقى خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها. يقال خلد يخلد خلودا، قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ والخلد اسم للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته فلا يستحيل مادام الإنسان حيا استحالة سائر أجزائه، وأصل المخلد الذي يبقى مدة طويلة ومنه قيل رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشيب، ودابة مخلدة هى التي تبقى حتى تخرج رباعيتها، ثم استعير للمبقى دائما. والخلود فى الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي علهيا من غير اعتراض الفساد عليها، قال تعالى: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وقوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ قيل مبقون بحالتهم لا يعتريهم استحالة، وقيل مقرطون بخلدة، والخالدة ضرب من القرطة، وإخلاد الشيء جعله مبقى والحكم عليه بكونه مبقى، وعلى هذا قوله سبحانه: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ أي ركن إليها ظانا أنه يخلد فيها.