للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ثمة خلاف بين هذه المصاحف، وهذا الخلاف، وهذا الخلاف هو الذى شهد به حذيفة حين كان مع الجيش فى فتح أذربيجان. وهذا الخلاف هو الذى فزع من أجله عثمان فنهض يجمع أصول القرآن ويجمع إلى هذه الأصول الحفظة الموثوق بهم.

فثمة مراحل ثلاث مرّ بها تدوين المصحف:

أولى هذه المراحل: تلك التى كانت فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم، فلقد كان من حوله كتّابه يكتبون ما يملى عليهم، وكان الرسول حريصا على ألّا يكتب عنه غير القرآن، حتى لا يلتبس به شىء آخر.

ويروون عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: لا تكتبوا عنّى شيئا سوى القرآن، فمن كتب عنى شيئا سوى القرآن فليمحه.

ولم يترك رسول الله دنياه إلى آخرته إلا بعد أن عارض ما فى صدره على ما فى صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وحسبك ما يقال عن كثرتهم أنه فى «غزوة بئر معونة» قتل منهم- أى من القرآء- سبعون. ثم حسبك عن كثرتهم أنه كانت منهم سيّدة، هى أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث،

وكان رسول الله يزورها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن، وقد أمرها رسول الله أن تؤم أهل دارها «١» .

ثم حسبك دليلا على أن القرآن كتب فى حياة الرسول، وأنه كتب فى صحّة وضبط، ما

رواه البراء مع نزول قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «٢» قال الرسول: ادع لى زيدا وليجئ باللّوح والدّواة والكتف، ثم قال: اكتب «لا يستوى» أى إن الرسول كان يملى على كاتبه لساعته.

ثم لعلّك تذكر فى إسلام عمر أن رجلا من قريش قال له: أختك قد صبأت- أى خرجت عن دينك- فرجع إلى أخته ودخل عليها بيتها ولطمها لطمة شجّ بها وجهها. فلما سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيفة فى ناحية البيت فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٣» واطّلع على صحيفة أخرى فوجد فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى «٤» فأسلم بعد ما وجد نفسه بين يدى كلام معجز ليس من قول بشر.


(١) الطبقات الكبرى، لابن سعد.
(٢) النساء: ٩٥.
(٣) الحديد: ١.
(٤) طه: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>