للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعِيداً

وكقوله: أولئك فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أي فى عقوبة الضلال البعيد، وعلى ذلك قوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ- قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ وقوله: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ كناية عن الموت واستحالة البدن. وقوله: وَلَا الضَّالِّينَ فقد قيل عنى بالضالين النصارى وقوله: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى أي لا يضل عن ربى ولا يضل ربى عنه أي لا يغفله، وقوله: كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ أي فى باطل وإضلال لأنفسهم. والإضلال ضربان، أحدهما: أن يكون سببه الضلال وذلك على وجهين: إما بأن يضل عنك الشيء كقولك أضللت البعير أي ضل عنى، وإما أن تحكم بضلاله، والضلال فى هذين سبب الإضلال. والضرب الثاني: أن يكون الإضلال سببا للضلال وهو أن يزين للإنسان الباطل ليضل كقوله: لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ

- وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أي يتحرون أفعالا يقصدون بها أن تضل فلا يحصل من فعلهم ذلك إلا ما فيه ضلال أنفسهم وقال عن الشيطان: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وقال فى الشيطان:

وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً- وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً- وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وإضلال اللَّه تعالى للإنسان على أحد وجهين: أحدهما أن يكون سببه الضلال وهو أن يضل الإنسان فيحكم اللَّه عليه بذلك فى الدنيا ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار فى الآخرة وذلك إضلال هو حق وعدل، فالحكم على الضال بضلاله والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق. والثاني من إضلال اللَّه هو أن اللَّه تعالى وضع جبلة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه ولزمه وتعذر صرفه وانصرافه عنه ويصير ذلك كالطبع الذي يأبى على الناقل، ولذلك قيل: العادة طبع ثان. وهذه القوة فى الإنسان فعل إلهي، وإذا كان كذلك وقد ذكر فى غير هذا الموضع أن كل شىء يكون سببا فى وقوع فعل صح نسبة ذلك الفعل إليه فصح أن ينسب ضلال العبد إلى اللَّه من هذا الوجه فيقال أضله اللَّه لا على الوجه الذي يتصوره الجهلة ولما قلناه جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ فلن يضل أعمالهم سيهديهم وقال فى الكافر والفاسق فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ- وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ- كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ- وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة فى قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>