وقوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها الآية وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه نحو قوله تعالى: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وتارة فى الاختبار نحو قوله تعالى: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً وجعلت الفتنة كالبلاء فى أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء وهما فى الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد قال فيهما: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً. وقال فى الشدة:
إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ- وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا أي يقول لا تبلنى ولا تعذبنى وهم بقولهم ذلك وقعوا فى البلية والعذاب. وقال تعالى: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي يبتليهم ويعذبهم وقال تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ أي يوقعونك فى بلية وشدة فى صرفهم إياك عما أوحى إليك وقوله تعالى: فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي أوقعتموها فى بلية وعذاب، وعلى هذا قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
فقد سماهم هاهنا فتنة اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وسماهم عدوا فى قوله تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ اعتبارا بما يتولد منهم وجعلهم زينة فى قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ الآية. اعتبارا بأحوال الناس فى تزينهم بهم وقوله تعالى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أي لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم، كما قال تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وقوله تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ فإشارة إلى ما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ الآية.
وعلى هذا قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ والفتنة من الأفعال التي تكون من اللَّه تعالى ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة، ومتى كان من اللَّه يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإنسان بغير أمر اللَّه يكون بضد ذلك، ولهذا يذم اللَّه الإنسان بأنواع الفتنة فى كل مكان نحو قوله: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ- ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ أي بمضلين وقوله: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ قال الأخفش: المفتون الفتنة كقولك ليس له معقول، وخذ ميسوره ودع معسوره، فتقديره بأيكم الفتون. وقال غيره: أيكم المفتون والباء زائدة كقوله: كَفى بِاللَّهِ