نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا فإنه أشار بالنداء إلى اللَّه تعالى لأنه تصور نفسه بعيدا منه بذنوبه وأحواله السيئة كما يكون حال من يخاف عذابه، وقوله: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ فالإشارة بالمنادى إلى العقل والكتاب المنزل والرسول المرسل وسائر الآيات الدالة على وجوب الإيمان باللَّه تعالى. وجعله مناديا إلى الإيمان لظهوره ظهور النداء وحثه على ذلك كحث المنادى. وأصل النداء من الندى أي الرطوبة، يقال صوت ندى رفيع، واستعارة النداء للصوت من حيث أن من يكثر رطوبة فمه حسن كلامه ولهذا يوصف الفصيح بكثرة الريق، ويقال ندى وأنداء وأندية، ويسمى الشجر ندى لكونه منه وذلك لتسمية المسبب باسم سببه وقول الشاعر:
كالكرم إذ نادى من الكافور
أي ظهر ظهور صوت المنادى وعبر عن المجالسة بالنداء حتى قيل للمجلس النادي والمنتدى والندى وقيل ذلك للجليس، قال فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ومنه سميت دار الندوة بمكة وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه. ويعبر عن السخاء بالندى فيقال فلان أندى كفا من فلان وهو يتندى على أصحابه أي يتسخى، وما نديت بشىء من فلان أي ما نلت منه ندى، ومنديات الكلم المخزيات التي تعرف.
(نذر) : النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، يقال نذرت للَّه أمرا، قال تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً وقال وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ والإنذار إخبار فيه تخويف كما أن التبشير إخبار فيه سرور، قال: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى- أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ- وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ- لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ- لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ والنذير المنذر ويقع على كل شىء فيه إنذار إنسانا كان أو غيره إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ- إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ- وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ- وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ- نَذِيراً لِلْبَشَرِ والنذر جمعه، قال: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أي من جنس ما أنذر به الذين تقدموا قال: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ- فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ وقد نذرت أي علمت ذلك وحذرت.