وهذه التجزئة التى أخذ المسلمون بها أنفسهم مبكّرين ليجعلوا للقرآن حظّا من ساعات يومهم حتى لا يغيبوا عنه فيغيب عنهم، وحتىّ ييّسروا على أنفسهم ليمضوا فيه إلى آخره أسبوعا بعد أسبوع، أو شهرا بعد شهر، هذه التّجزئة الأولى غير المضبوطة هى التى أملت على المسلمين بعد فى أن يأخذوا فى تجزئة القرآن تجزئة تخضع لمعابير مضبوطة، ولم يكن عليهم ضير فى أن يفعلوا.
عند هذه، وبعد أن استوى المصحف بين أيديهم مكتوبا، كان عدّ السور وعد الكلمات وعد الآيات، ولا يعنى هذا أن المسلمين الأول أيام الرسول كانوا بعيدين البعد كله عن هذا كله، بل إن ما نعنيه هو الإحصاء المستوعب الشامل، وأمّا غيره فما نظننا ننكره على المسلمين الأول، من ذلك ما
روى عن ابن مسعود أنه قال: أقرأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من الثلاثين من آل حم. يعنى الأحقاف.
ويقول السيوطى: كانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين «١» .
ولكن هذا الاستيعاب الشامل لم يكن إلا مع أيام الحجاج، ودليلنا على هذا: ما يرويه أبو بكر بن أبى داود يقول: جمع الحجاج بن يوسف الحفّاظ والقرّاء- ويقول أبو بكر: وكنت منهم- فقال الحجاج: أخبرونى عن القرآن كله كم هو من حرف؟ قال أبو بكر: فجعلنا نحسب حتى أجمعوا أن القرآن ثلاثمائة ألف حرف وأربعين ألفا وسبعمائة ونيف وأربعين حرفا.
قال الحجّاج: فأخبرونى إلى أى حرف ينتهى نصف القرآن. فحسبوا فأجمعوا أنه ينتهى فى الكهف وَلْيَتَلَطَّفْ (الآية: ١٩، فى الفاء) .
قال الحجاج: فأخبرونى بأسباعه على الحروف؟ قال أبو بكر: فإذا أول سبع فى النساء فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ (الآية: ٥٥، فى الدال) . والسبع الثانى فى الأعراف أُولئِكَ حَبِطَتْ (الآية: ١٤٧، فى التاء) والسبع الثالث فى الرعد أُكُلُها دائِمٌ (الآية: ٣٥، فى الألف آخر أُكُلُها، والسبع الرابع فى الحج وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً (الآية: ٣٤، فى الألف) ، والسبع الخامس فى الأحزاب وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ (الآية: ٣٦، فى الهاء) ، والسبع السادس فى الفتح الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ (الآية: ٦، فى الواو) والسابع ما بقى من القرآن.
قال الحجاج: فأخبرونى بأثلاثه؟ قالوا: الثّلث الأول رأس مائة من براءة. والثلث الثانى رأس إحدى ومائة آية من طسم الشعراء، والثلث الثالث ما بقى من القرآن.