وقد قال الشافعي رضى الله عنه: كل ما حكم به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ فى آيات أخر.
وقال صلّى الله عليه وآله وسلم: ألا إنى أتيت القرآن ومثله معه، يعنى السنة.
فإن لم يجده من السنة رجع إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ولما اختصوا به من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
ومما ألزموا المفسر به من آداب: صحة الاعتقاد أولا ولزوم سنة الدين، فإن من كان مغموصا عليه فى دينه لا يؤتمن على الدنيا فكيف على الدين؟ ثم لا يؤتمن فى الدين على الأخبار عن عالم فكيف يؤتمن فى الأخبار عن أسرار الله تعالى؟ ولأنه لا يؤمن إن كان متهما بالإلحاد أن يبغى الفتنة ويغرّ الناس بليه وخداعه كدأب الباطنية وغلاة الرافضة.
وإن كان متهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه كلما يوافق بدعته كدأب القدرية، فإن أحدهم يصنف الكتاب فى التفسير ومقصوده منه الإيضاح الساكن ليصدّهم عن اتباع السلف ولزوم طريق الهدى.
ويجب أن يكون اعتماده على النقل عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وعن أصحابه ومن عاصرهم ويتجنب المحدثات، وإذا تعارضت أقوالهم وأمكن الجمع بينها فعل، نحو أن يتكلم على الصراط المستقيم.
وأقوالهم فيه ترجع إلى شىء واحد فيدخل منها ما يدخل فى الجمع، فلا تنافى بين القرآن وطريق الأنبياء، فطريق السنة وطريق النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وطريق أبى بكر وعمر، فأىّ هذه الأقوال أفرده كان محسنا. وإن تعارضت ردّ الأمر إلى ما ثبت فيه السمع، فإن لم يجد سمعا وكان للاستدلال طريق إلى تقوية أحدهما رجح ما قوى الاستدلال فيه، كاختلافهم فى معنى حروف الهجاء، يرجح قول من قال: إنها قسم.
وإن تعارضت الأدلة فى المراد علم أنه قد اشتبه عليه فيؤمن بمراد الله تعالى، ولا يتهجم على تعيينه، وينزله منزلة المجمل قبل تفصيله، والمتشابه قبل تبيينه.