من ذلك مؤخر، ولا أخر منه مقدم، وإن الأمة ضبطت عن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ترتيب آى كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة، وأنه يمكن أن يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم قد رتب سوره، وأن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده ولم يتولّ ذلك بنفسه.
وقال مالك: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبى صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقال البغوى: الصحابة رضى اللَّه عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذى أنزله اللَّه على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته، فكتبوه كما سمعوا من رسول اللَّه، صلّى اللَّه عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئا وأخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان رسول اللَّه، صلّى اللَّه عليه وسلم، يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذى هو الآن فى مصاحفنا، بتوقيف جبريل إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية، أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا فى سورة كذا، فثبت أن سعى الصحابة كان فى جمعه فى موضع واحد لا فى ترتيبه، فإن القرآن مكتوب فى اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، أنزله اللَّه جملة إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرّقا عند الحاجة. وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة.
وقال ابن الحصار: ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحى، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ضعوا آية كذا فى موضع كذا
، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا فى المصحف.
وأما ترتيب السورة، فهل هو توقيفى أيضا؟ أو باجتهاد من الصحابة؟.
فجمهور العلماء على الثانى.
قال ابن فارس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما تأليف السور، كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين، فهذا هو الذى تولته الصحابة، وأما الجمع الآخر، وهو جمع الآيات فى السور فهو توقيفى، تولاه النبى، صلّى اللَّه عليه وسلم، كما أخبر به جبريل عن أمر ربه مما استدل به، ولذلك اختلاف مصاحف السلف فى ترتيب السور. فمنهم من ربّها على النزول، وهو مصحف علىّ، كان أوله: اقرأ، ثم المدثر، ثم نون، ثم