الجنة التى ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك فى أسرع وقت حيث قال: فَأَصابَها إِعْصارٌ ولم يقتصر على ذكره للعلم بأنه لا يحصل به سرعة الهلاك فقال: فِيهِ نارٌ ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفى باحتراقها لما فيه من الأنهار ورطوبة الأشجار فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله: فَاحْتَرَقَتْ فهذا أحسن استقصاء وقع فيه كلام وأتمه وأكمله.
والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل:
أن التتميم يردّ على المعنى ليتم فيكمل.
والتكميل يردّ على المعنى التام أوصافه.
والاستقصاء يردّ على المعنى التام الكامل فيستقصى لوازمه وعوارضه وأوصافه وأسبابه حتى يستوغب جميع ما تقع الخواطر عليه فيه فلا يبقى لأحد فيه مساغ.
النوع العشرون: الاعتراض، ويسمى الالتفات وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الأعراب فى أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكتة غير دفع الإيهام كقوله: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فقوله:
سُبْحانَهُ اعتراض لتنزيه اللَّه سبحانه وتعالى عن البنات والشناعة على جاعليها.
ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أن مجيئه مجىء ما لا يترقب فيكون كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب.
النوع الحادى والعشرون: التعليل:
وفائدته التقرير والأبلغية، فإن النفوس أبعث على قبول الأحكام المعللة من غيرها، وغالب التعليل فى القرآن على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأولى، وحروفه: اللام، وإن، وأن، وإذ، والباء، وكى، ومن، ولعل.
ومما يقتضى التعليل لفظ الحكمة: كقوله: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ. وذكر الغاية من الخلق نحو قوله: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً، وأَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً.