وتقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها، وهى الطريقة التى يباين القرآن بها سائر الكلام.
وتسمى فواصل، لأنه ينفصل عنده الكلامان، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها، وآخذ من قوله تعالى: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ ولا يجوز تسميتها قوافى إجماعا، لأن اللَّه تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا، لأنها منه وخاصة به فى الاصطلاح، وكما يمتنع استعمال القافية فيه يمتنع استعمال الشعر، لأنها صفة لكتاب اللَّه تعالى فلا تتعداه.
ولا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء: التمكين، والتصدير، والتوشيح، والإيغال.
فالتمكين، ويسمى ائتلاف القافية: أن يمهد الناثر للقرينة أو الشاعر للقافية تمهيدا تأتى به القافية أو القرينة متمكنة فى مكانها مستقرّة فى قرارها، مطمئنة فى مواضعها غير نافرة ولا قلقة، متعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعليقا تاما، بحيث لو طرحت لا ختلّ المعنى واضطرب الفهم، وبحيث لو سكت عنها كمّله السامع بطبعه. ومن أمثلة ذلك: يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ الآية، فإنه لما تقدم فى الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف فى الاموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الترتيب، لأن الحلم يناسب العبادات والرشد يناسب الأموال.
ومبنى الفواصل على الوقف، ولهذا ساغ مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس كقوله: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ مع قوله: عَذابٌ واصِبٌ، وشِهابٌ ثاقِبٌ وقوله: بِماءٍ مُنْهَمِرٍ مع قوله قَدْ قُدِرَ.
وكثر فى القرآن ختم الفواصل بحروف المدّوالين وإلحاق النون، وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك، كما قال سيبويه: إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا، وجاء فى القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع.
وحروف الفواصل إما متماثلة وإما متقاربة:
فالأولى: مثل: وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ.