ولما جاء به النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم، وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء، وتحدّاهم على أن يأتوا بمثله، وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا، كما قال تعالى:
ثم تحدّاهم بسورة فى قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ الآية.
ثم كرر فى قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ الآية.
فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء نادى عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن فقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً فهذا، وهم الفصحاء اللدّ، وقد كانوا أحرص شىء على إطفاء نوره وإخفاء أمره، فلو كان فى مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها قطعا للحجة، ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدّث نفسه بشىء من ذلك ولارامه، بل عدلوا إلى العناد تارة وإلى الاستهزاء أخرى، فتارة قالوا: سحر، وتارة قالوا: شعر، وتارة قالوا:
أساطير الأولين، كل ذلك من التحير والانقطاع.
ثم رضوا بتحكيم السيف فى أعناقهم، وسبى ذراريهم وحرمهم، واستباحة أموالهم، وقد كانوا آنف شىء وأشده حمية، فلو علموا أن الإتيان بمثله فى قدرتهم لبادروا إليه، لأنه كان أهون عليهم.
وعن ابن عباس قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له فبلغ أبا جهل فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك ما لا ليعطو كه لئلا تأتى محمد لتعرض لما قاله، قال: قد علمت قريش أنى من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟