المكشوف البين، مع التقريع بالنقص، والتوقيف على العجز، وهم أشدّ الخلق أنفة وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيد عملهم، وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة فى الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة، وكما أنه محال أن يطيقونه ثلاثا وعشرين سنة على الغلط فى الأمر الجليل المنفعة، فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه.
ولما ثبت كون القرآن معجزة نبينا، صلّى اللَّه عليه وسلم، وجب الاهتمام بمعرفة وجه الإعجاز، وقد خاض الناس فى ذلك كثيرا، فبين محسن ومسىء.
فزعم قوم أن التحدىّ وقع بالكلام القديم الذى هو صفة الذات، وأن العرب كلفت فى ذلك ما لا يطاق وبه وقع عجزها، وهو مردود لأن ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصورّ التحدى به.
والصواب ما قاله الجمهور أنه وقع بالدالّ على القديم وهو الألفاظ، وقد زعم بعضهم أن إعجازه بالصرفة، أى إن اللَّه صرف العرب عن معارضته، وسلب عقولهم، وكان مقدورا لهم، لكن عاقهم أمر خارجى فصار كسائر المعجزات.
وهذا قول فاسد بدليل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ الآية، فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لاجتماعهم لمنزلته منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره.
هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز؟ بل المعجز هو اللَّه تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله.
وأيضا فيلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدّى، وخلوّ القرآن من الإعجاز، وفى ذلك خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية، ولا معجزة له باقية سوى القرآن.
ومما يبطل القول بالصرفة أيضا أنه لو كانت المعارضة ممكنة، وإنما منع منها