فجعل عجزهم عن الإتيان بمثله دليلا على أنه منه، ودليلا على وحدانيته.
وذلك يدل على بطلان قول من زعم أنه لا يمكن أن يعلم بالقرآن الوحدانية، وزعم أن ذلك مما لا سبيل إليه إلا من جهة العقل، لأن القرآن كلام اللَّه عز وجل، ولا يصح أن يعلم الكلام حتى يعلم المتكلم أولا، وإذا ثبت بما تبين إعجازه، وأن الخلق لا يقدرون عليه، ثبت أن الذى أتى به غيرهم، وأنه إنما يختص بالقدرة عليه من يختص بالقدرة عليهم وأنه صدق، وإذا كان كذلك كان ما يتضمنه صدقا.
ومن ذلك قوله عز وجل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً وقوله أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ.
فقد ثبت بما تبين أنه تحدّاهم إليه ولم يأتوا بمثله.
وفى هذا أمران:
أحدهما التحدّى إليه.
والآخر أنه لم يأتوا له بمثل.
والذى يدل على ذلك النقل المتواتر الذى يقع به العلم الضرورى، فلا يمكن جحود واحد من هذين الأمرين.
وإن قال قائل: لعله لم يقرأ عليهم الآيات التى فيها ذكر التحدى، وإنما قرأ عليهم ما سوى ذلك من القرآن.
كان كذلك قولا باطلا يعلم بطلانه مثل ما يعلم به بطلان قول من زعم أن القرآن أضعاف هذا، وهو يبلغ حمل جمل، وأنه كتم وسيظهره المهدى.
ويدعى أن هذا القرآن ليس هو الذى جاء به النبى صلّى اللَّه عليه وسلم، وإنما هو شىء وضعه عمر أو عثمان رضى اللَّه عنهما حيث وضع المصحف.