أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً وقوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ إلى آيات كثيرة فى نحو هذا تدل على أنهم كانوا متحيرين فى أمرهم متعجبين من عجزهم، يفزعون إلى نحو هذه الأمور من تعليل وتعذير ومدافعة بما وقع التحدّى إليه وعرف الحث عليه.
وقد علم منهم أنهم ناصبوه الحرب وجاهروه ونابذوه، وقطعوا الأرحام وأخطروا بأنفسهم، وطالبوه بالآيات والإتيان بغير ذلك من المعجزات يريدون تعجيزه ليظهروا عليه بوجه من الوجوه، فكيف يجوز أن يقدروا على معارضته القريبة السهلة عليهم، وذلك يدحض حجته ويفسد دلالته ويبطل أمره، فيعدلون عن ذلك إلى سائر ما صاروا إليه من الأمور التى ليس عليها مزيد فى المنابذة والمعاداة، ويتركون الأمر الخفيف هذا مما يمتنع وقوعه فى العادات، ولا يجوز إتقانه من العقلاء.
ويمكن أن يقال إنهم لو كانوا قادرين على معارضته والإتيان بمثل ما أتى به لم يجز أن يتفق منهم ترك المعارضة، وهم على ما هم عليه من الذراية والسلاقة والمعرفة بوجوه الفصاحة، وهو يستطيل عليهم بأنهم عاجزون عن مباراته، وأنهم يضعفون عن مجاراته، ويكرر فيما جاء به ذكر عجزهم عن مثل ما يأتى به ويقرعهم ويؤنبهم عليه، ويدرك آماله فيهم، وينجح ما يسعى له بتركهم المعارضة، وهو يذكر فيما يتلوه تعظيم شأنه وتفخيم أمره حتى يتلوا قوله تعالى: