دون بعض، لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذى يؤدى السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو فى تقدير السجع من القرآن، لأن اللفظ يقع فيه تابعا للمعنى، وفصل بين أن ينتظم الكلام فى نفس بألفاظه التى تؤدى المعنى المقصود فيه، وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ، ومتى ارتبط المعنى بالسجع كانت إفادة السجع كإفادة غيره، ومتى ارتبط المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتجنيس الكلام دون تصحيح المعنى.
وللسجع منهج مرتب محفوظ، وطريق مضبوط متى أخلّ به المتكلم أوقع الخلل فى كلامه ونسب إلى الخروج عن الفصاحة، كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا وكان شعره مرذولا، وربما أخرجه عن كونه شعرا.
وقد علمنا أن بعض ما يدعونه سجعا متقارب الفواصل متدانى المقاطع، وبعضها مما يمتد حتى يتضاعف طوله عليه وترد الفاصلة على ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير، وهذا فى السجع غير مرضىّ ولا محمود.
فإن قيل: متى خرج السجع المعتدل إلى نحو ما ذكرتموه خرج من أن يكون سجعا، وليس على المتكلم أن يلتزم أن يكون كلامه كله سجعا، بل يأتى به طورا، ثم يعدل عنه إلى غيره، ثم قد يرجع إليه.
قيل: متى وقع أحد مصراعى البيت مخالفا للآخر كان تخليطا وخبطا، وكذلك متى اضطرت أحد مصراعى الكلام المسجع وتفاوت كان خبطا.
وعلم أن فصاحة القرآن غير مذمومة فى الأصل فلا يجوز أن يقع فيها نحو هذا من الاضطراب، ولو كان الكلام الذى هو فى صورة السجع منه لما تحيروا فيه وكانت الطباع تدعو إلى المعارضة، لأن السجع غير ممتنع عليهم بل هو عادتهم، فكيف تنقض العادة بما هو نفس العادة، وهو غير خارج عنها ولا مميز منها.
ويزعم بعضهم أنه سجع متداخل، ونظيره من القرآن قوله تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ وقوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها