للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنا حين أدعو غير العربى إلى الإيمان بإعجاز القرآن أسلوبا ناظر إلى أهليته الحملية ثم أهليته التوثقية، وهو بهما مكلف بالتصديق ولا مهرب له، أما أن أحمله على تعلم العربية وأن أتلبث به إلى أن يتقنها، وقد يقضى عمره دون أن يتقنها، فذلك ما لا أقول به، ولا يحتج عليّ بأن ثمة نفرا من غير العرب تعلموا العربية أو أتقنوها إتقان العرب، مثل: عبد الحميد الكاتب، وابن المقفع، وابن العميد.

ومن أجل هذا أحببت أن يكون المشق الثانى من الإعجاز، وهو الرسالة، نصيبه هو الآخر، إذا أردنا أن تعم الدعوة أهل الأرض جميعا، كما أراد لها صاحبها محمد صلّى الله عليه وسلم.

ولقد وقف مؤلف قديم وهو القاضى عبد الجبار موقفى من هذه القضية، وذلك حيث يقول فى الجزء الذى أفرده من كتابه الكبير المغنى الإعجاز القرآن حيث يقول (ص ٢٩٤- ٢٩٥) :

«فخبرونى عن العجم أتقولون إنهم يعرفون من حال القرآن ما ذكرتم أم لا يعرفونه؟ فإن قلتم: يعرفون ذلك. قيل لكم: فمن لا يعرف الفصاحة أصلا كيف يعرف مزية كلام فصيح على غيره، ومن لا يعرف القدر المعتاد من ربتة الفصاحة كيف يعرف الخارج عن هذا الحد؟ فإن قلتم: إنهم لا يعرفون ذلك فيجب ألا يكونوا محجوجين بالقرآن، وعندكم أنه الحجة الظاهرة والمعجزة الباهرة دون غيره، فيجب ألا تلزم العجم نبوة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولو لم تلزمهم لكانوا لا يستحقون الذم على ترك الشريعة، ولما استحقوا الذم، ولما كانوا كفارا بالرد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد ثبت من دين رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلافه، فيجب أن يكون ذلك قد جاء فى كون القرآن معجزا، لأن ما أوجب كونه معجزا يوجب كونه الحجة على الخلق، وما منع من كونه حجة على البعض يمنع من كونه حجة على الجميع؟

قيل له: إن الجميع من العجم يعرف حال القرآن وما يختص به من المزية

<<  <  ج: ص:  >  >>