للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معلومٌ، لا تدل على صحة ثبوت الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فالحديث يشهد له أصول هذا الدين من القرآن، والسنة، بل وإجماع الأمة، على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس من الباطل في شيء، ولا الباطل منه في شيء، قال الله - عز وجل -: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} (١)، وغير ذلك من الآيات، والأحاديث، وقواعد هذا الدين الكثيرة، التي تشهد لهذا المعنى، بل ولَعَلَّ معناه مِمَّا هو معلومٌ من الدين بالضرورة، والله أعلم.

سادسًا:- النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المصنف - رضي الله عنه -: لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو، إلا أبو زُكَير.

قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّه لم يروه عن عَمرو بن أبي عَمرو إلا أبو زُكير، أي: عن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه -؛ وإلا فلقد رواه عبد العزيز بن محمد الدَّراوردي عن عَمرو بن أبي عَمرو، لكنَّه رواه عن المطلب بن عبد الله، مَرَّة: عن مُعاوية بن أبي سُفيان - رضي الله عنه -، ومَرَّة أخرى: مُرْسلًا، كما سبق.

_ ووافقه على ذلك البزار، والدارقطني:

فقال البَزَّار: لا نَعْلم رواه عن عمرو بن أبي عمرو إلا يحيى بن محمد.

وقال الدَّارقطني: غريبٌ مِنْ حديث عمرو بن أبي عمرو، عن أنس، لم يَرْوِه عنه غير أبو زُكَيْر.

ونلاحظ أنَّ عبارة الدَّارقطني جاءت أدقُّ وأضبط مِنْ عبارة الطبراني، والبزَّار، حيث قَيَّده مِنْ حديث أنس.

_ وزاد البزَّار - رضي الله عنه -، فقال: ولا نعلمه يُرْوى إلا عن أنس.

قلتُ: بل رُوي عن مُعاوية بن أبي سُفْيان، وجابر بن عبد الله، وسبق ذكرهما، وبيان حكمهما.

لكنْ يُعتذر عن الإمام البزار: بأنَّه قَيَّد كلامه باعتبار عِلْمِه، والله أعلم.

سابعاً: ـ التعليق على الحديث:

قال المناوي - نقلًا عن الزمخشري -: «لَسْتُ مِنْ دَدٍ» بفتح الدال الأولى، وكسر الثانية، بضبط المصنف - أي السيوطي-، «وَلا الدَّد مِنِّي» أي: لست من اللهو، واللعب، ولا هما مني، ومعنى تنكير الدد في الجملة الأولى: العموم، بمعنى أنه لا يبقى طرف منه إلا وهو منزه عنه؛ كأنه قال ما أنا من نوع من أنواع الدد، وما أنا في شيء منه. وتعريفه في الثانية: لأنه صار معهودا بالذكر؛ كأنه قال ولا ذلك النوع مني. وإنما لم يقل ولا هو مني لأن التصريح آكد، وأبلغ، والكلام جملتان، وفي الموضعين مضاف محذوف، تقديره: وما أنا من أهل دَدٍ، ولا الدّدُ من أشغالي. وهذا لا يناقضه أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يمزح؛ لأنه كان لا يقول في مزاحه إلا حقًا. (٢)


(١) سورة "النجم"، آية (١ - ٤).
(٢) يُنظر: "فيْض القدير" (٥/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>