للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَمْنُوعٌ، وتنزل الأحاديثُ التي في هذا الباب وغيره على ذلك، وهو قولُ الأوزاعيِّ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: والصَّوَابُ أن يُقال: إِنَّ الفتنة أصلها الابتلاء، وإنكار المنكر واجبٌ على كُلِّ مَنْ قَدَرَ عليه، فَمَنْ أَعَانَ المُحِقَّ أصاب، ومَنْ أعان المُخْطِئَ أخطأ، وإنْ أُشْكِلَ الأَمْرُ فهي الحالةُ التي وَرَدَ النَّهْيُ عن القتال فيها، وقيل: إنَّ أحاديث النَّهي مَخْصُوصَةٌ بآخِرِ الزَّمَانِ حَيْثُ يَحْصُلُ التَّحَقُّقُ أَنَّ الْمُقَاتَلَةَ إِنَّمَا هي في طَلَبِ الْمُلْكِ. (١)

وأختم بما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" مِن حديث حُذَيفة بن اليمان - رضي الله عنه -، قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». (٢)

* * *


(١) يُنظر: "فتح الباري" (١٣/ ٣١ - ٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (٧٠٨٤) ك/الفتن، ب/كيف الأمر إذا لم تكن الجماعة، وبرقم (٣٦٠٦) ك/المناقب، ب/علامات النبوة في الإسلام. ومسلم (١٨٤٧) ك/الإمارة، ب/وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال.

<<  <  ج: ص:  >  >>