للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والبلاء منهم لا منه، وإذا روى عن غير الشاميين فَرُبَّما وَهِمَ عليهم، ورُبَّما كان الوهم من الراوي عنه.

٣) ثِقَةٌ إذا صَرَّح بالسماع، ولا يُقبل إذا روى بالعنعنة:

قال النسائي: إذا قال بقية حدثنا وحدثني فلا بأس به. وقال أيضًا: إذا قال أخبرنا أو حدثنا فهو ثقة، وإن قال: "عن" فلا يُؤخَذ عنه، لا يُدْرى عمَّن أخذه. وقال ابن خلفون: لمْ يُتكلَّم فيه من قِبَل حفظه، ولا مذهبه، إنَّما تُكُلِّم فيه من قِبَل تدليسه وروايته عن المجهولين. ووصفه العلائي بالتدليس، وقال: وتُكُلِّم فيه مِنْ أجله. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" بعد نقله أقوال أهل العلم بأنه لا بأس به إذا حدَّث عن الثقات، قال: بشرط أن يُصرّح بالإخبار، ولا يقول: عن فلان، فإنه قد دلَّس عن ابن جُرَيج، والأوزاعي بطامات. وقال في "تذكرة الحفاظ": كان يدلِّس كثيرًا فيما يتعلّق بالأسماء، ويدلّس عن قومٍ ضعفاء وعوام يُسقطهم بينه وبين ابن جريج ونحو ذلك. وفي "السير": ضعيف إذا قال "عن" فإنه مدلِّس. وقال ابن حجر: يدلِّس تدليس التسوية. وذكره العلائيُّ، وابن حجر في الطبقة الرابعة - فيمن اتفق الأئمة على قبول حديثهم إذا صرَّحوا بالسماع -.

٤) بينما ذهب آخرون إلى تَضْعِيفه، لكنَّهم جعلوه فيمن يُكتب حديثه:

- فقال أبو مسهر: احذر أحاديث بَقيَّة، وكن منها على تَقيَّة، فليست أحاديثه نَقِيَّة. وقال ابن معين: إذا حدَّثك عَمَّن تعرف، وعَمَّن لا تعرف فلا تكتب عنه. وقال ابن عيينة: لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنَّة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره. وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه، ولا يُحتجّ به، وهو أحبّ إليّ من إسماعيل بن عيَّاش. وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به. وقال ابن حزم: ضعيفٌ.

- قلتُ: وتَضْعيفهم له محمولٌ على كثرة تدليسه، وروايته عن الضعفاء والكذابين، أما في صدقه فلا، ويدل على ذلك قول أبي زرعة: ما لبقية عَيْبٌ إلا كثرة روايته عن المجهولين، فأمَّا الصدق فلا يُؤتى من الصدق، وَإذا حدّث عن الثقات فهو ثقة. وقال ابن المبارك: صدوقُ اللسان لكنَّه يَأخذ عَمَّن أَقْبَل وأَدْبَر. وقال ابن خزيمة: أُتيَ من التدليس. وقال ابن خلفون: لمْ يُتكلَّم فيه من قِبَل حفظه ولا مذهبه، إنما تُكُلِّم فيه من قِبل تدليسه وروايته عن المجهولين. وقال العلائي: وتُكُلم فيه من أجله - أي التدليس -.

- قلتُ: فالجمهور على أنّ الرجل في نفسه ثقة وما عابوا عليه إلا كثرة التدليس، ومن المعلوم أن هناك خلاف بين أهل العلم حول تضعيف الرجل بسبب تدليسه، والراجح الذي استقرّ عليه أهل العلم أنه إن كان ثقةً في نفسه فيُقبَل منه إذا صرَّح بالسماع، ويُرَدُّ حديثه إذا روى بالعنعنة وما في حكمها، وهذا ما جرى عليه أهل العلم، وعليه عَمل العلائي في "التحصيل"، والحافظ ابن حجر في "طبقات المدلسين". (١)


(١) الذي استقرَّ عليه عمل الأكثرين من أهل العلم الاحتجاج بما رواه المدلس الثقة إذا صرَّح بالسماع، قال السخاوي - بعد أن حكى أقوال أهل العلم في كوْن الراوي هل يُجَرَّح بالتدليس أم لا؟ -: وَكَذَا يُسْتَثْنَى مِنَ الْخِلَافِ مَنْ أَكْثَرَ التَّدْلِيسَ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَجَاهِيلِ; كَبَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ; لِاتِّفَاقِهِمْ - كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، أي ابن حجر- عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ إِلَّا بِمَا صَرَّحُوا بِالسَّمَاعِ فِيهِ. وقال الذهبي - بعد أنْ أثبت صحة التدليس إلى بقيَّة -: لكنهم فعلوا ذلك باجتهاد وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس، إنه تعمد الكذب، هذا أمثل ما يعتذر به عنهم. يُنظر: "فتح المغيث" ١/ ٣٢٨، "ميزان الاعتدال" ١/ ٣٣٩، "جامع التحصيل" (ص/١٠٠)، "النكت" للزركشي ٢/ ٨٦، "تدريب الراوي" ١/ ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>