للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحديث بَوَّب له البخاري بقوله: الأكفاء في الدين، ثم أعقبه أيضًا بحديث عائشة، قالت: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الحَجَّ؟». قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَجِدُنِي إِلا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: " حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي "، وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ. (١)

قال ابن حجر: وقوله: "وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ" هذا القدر هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب، فإنَّ المقداد وهو ابن عَمرو الكندي نُسب إلى الأسود بن يغوث الزَّهري لكوْنه تبنَّاه، فكان من حلفاء قريش، وتزوَّج ضباعة وهي هاشمية، فلولا أنَّ الكفاءة لا تُعتبر بالنسب لَمَا جاز له أنْ يتزوجها لأنها فوقه في النسب. (٢) وقال: ولمْ يثبت في اعتبار الكفاءة في النسب حديث، وما ثبت صريحًا في ذلك فهو ضعيف. (٣)

قلتُ: فالحديث فهم مِنْه البخاري بفقهه الرائع أنَّ الكفاءة قائمة على الكفاءة في الدين، وليس النسب.

- وأمَّا المراسيل، فمنها: ما أخرجه عبد الرزَّاق في "المصنف" (١٠٣٢٥)، وفي "تفسيره" (١/ ٢٦٣)، عن مَعْمر، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ أَمَانَتَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَإِنْ لا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ». أَوْ قَالَ: «عَرِيضٌ».

قلتُ: وهذا أيضًا لا يصلح للاستشهاد والاعتبار لإعضاله، ولاحتمال عَوْدته إلى عبد الله بن هُرْمز.

- وللحديث شاهدٌ آخر أخرجه ابن وهب في "الموطأ" (٢٤٢)، قال: حدثني هشام بن سعد، وغيره، عن زيد بن أَسْلم - مُرسلًا -، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جاءَكُم مَنْ تَرْضَون دينه ورأيهُ فأنكِحوه"، قالوا: يا رسول الله، وإن؟ قال: "إذا جاءَكُم مَنْ تَرْضَون دينه ورأيهُ فأنكِحوه، … الحديث بنحوه". وإسناده حسنٌ في الشواهد.

- وأخرج ابن أبي الدُّنيا في "النفقة على العيال" (١٢٥)، عن سلمة بن سعيد، قال: قال رجل للحسن: إنَّ عندي ابنةٌ لي، وقد خُطبت إليَّ، فمن أُزَوِّجها؟ قال: "زَوِّجها مَنْ يخاف الله، فإن أحبَّها أكْرَمها، وإن أبغضها لم يظلمها.

- ويشهد لمعنى هذا الحديث ما تدل عليه أصول الشريعة، فإذا جاء من يُرْضَى دينه، وأمانته، وخُلُقه، فهو أَوْلى بالتزويج من غيره ولو كان صاحب ومال، وجاه إذا كان الآخر ليس بصاحب دين، وخلق، من ذلك:

- ما أخرجه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ ". (٤)


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٠٨٩)، ك/ النكاح، ب/ الأكفاء في الدين. ومسلم في "صحيحه" (١٢٠٧/ ١ - ٣)، ك/ الحج، ب/ جواز اشتراط المُحْرم التحلُّل بعذر المرض ونحوه.
(٢) يُنظر: "فتح الباري" ٩/ ١٣٦.
(٣) يُنظر: "فتح الباري" ٩/ ١٣٣.
(٤) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٠٩٠)، ك/ النكاح، ب/ الأكفاء في الدين. ومسلم في "صحيحه" (١٤٦٦)، ك/ الرضاع، ب/ استحباب نكاح ذات الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>