للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: وحاصل ما سبق ذكره:

أنَّ الحديث بلفظ: "إذا جاءكم مَنْ ترْضوْن دينه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض - وفي رواية: كبير -" لم يثبت بهذا اللفظ مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحديث أبي أُمامة، وابن عُمر، كلاهما "ضعيفٌ جدًا"، ورواية يحيى بن أبي كثير "مُعضلة"، ورواية أبي هريرة الراجح عدم ثبوتها، والراجح فيها أنَّها من رواية ابن عَجْلان عن ابن هُرْمز مُرسلًا. ورواية أبي حاتم المُزَني الراجح عدم ثبوتها من حديثه، والصواب فيها رواية حاتم بن إسماعيل - من أصحّ الأوجه عنه - وابن عَجلان - السابقة، فهي ترجع إلى هذه - كلاهما عن ابن هُرْمز مُرسلًا. وهذا المرسل يشهد له ويقوِّيه عموم ما ذكرناه من الأدلة السابقة في "الصحيحيْن" لكن بشرط أن لا يُؤخذ الحديث على ظاهره فحسب، فهناك اعتبارات أخرى ينبغي للمرء أنْ ينظر إليها، ويعتبرها، ويوليها اهتمامه كالطِّباع، والجمال، ونحو ذلك، فكما أنَّ الرجل يحب في المرأة كذا وكذا، فكذلك المرأة تحب من الرجال كذا وكذا. فيجب على وليّ المرأة أن يعتبر الدين أولًا - وهو الأساس، ولا شك - بالإضافة إلى الاعتبارات الأخرى من طباعه، ورِضَى المرأة به، ونحو ذلك، بدليل أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قال في الحديث السالف الذكر "فاظفر بذات الدين تربت يداك" وهو أيضًا القائل للمغيرة بن شُعبة: " أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ "- حين قال له أنه خطب امرأة - فقال: لا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا " (١).

تنبيه: الحديث صححه الحاكم في "المستدرك"، ورد عليه كلاً من الذهبي في "التلخيص"، وابن حجر في "اتحاف المهرة"، وقد سبق - بحمد الله وفضله - ذكر ذلك كله.

وذهب الترمذي - رحمه الله - في "سننه" إلى أنَّ حديث أبي حاتم المُزَني "حَسَنٌ غَريبٌ"، وتبعه على تحسينه جماعة من أهل العلم، منهم الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٠٢٢)، وفي "إرواء الغليل" (١٨٦٨)، والشيخ الحويني في "الانشراح في آداب النكاح" (١٢)، واعتبرا - الأخيران - أنَّ حديث أبي حاتم المُزَني شاهدًا لحديث أبي هريرة من رواية ابن عَجْلان، وبهما صار الحديث حسنًا، وقال الشيخ الألباني: ولعلّ الترمذي حَسَّنَه بشواهده. قلتُ: وما سبق ذكره وتفصيله كافٍ - إن شاء الله - عز وجل - للجواب والرد عليهم - غفر الله لنا ولهم، وجزاهم الله عنا جميعًا وعن الإسلام خير الجزاء -.

سابعًا:- النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المصنف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن عَجْلَانَ إلا عَبْدُ الْحَمِيدِ بن سُلَيْمَانَ.

_ ومما سبق يتضح صحة ما قاله الطبراني - رضي الله عنه -، فلم يروه عن ابن عَجْلان، إلا عبد الحميد بن سليمان،


(١) أخرجه الترمذي في "سننه" (١٠٨٧)، ك/ النكاح، ب/ ما جاء في النظر إلى المخطوبة، وقال: وفي الباب عن محمد بن مسلمة، وجابر، وأبي حُمَيد، وأبي هريرة، وأنس، وحديث المغيرة حَسَن. والنسائي في "الكبرى" (٥٣٢٨)، ك/ النكاح، ب/ إباحة النظر إلى المرأة فبل تزويجها .. وابن ماجة في "سننه" (١٨٦٥)، ك/ النكاح، ب/ النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها - وفيه: "ففعل، فتزوجها، فذكر من موافقتها" -، وأحمد في "مسنده" (١٨١٣٧، ١٨١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>