للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ - والله أعلم -: وعليه فلم يُصرِّح أبو الزّبير بسماعه من جابر، ولم أقف على ما يقوم مقامه من المتابعات، والشواهد، اللهم إلا تحسينًا الظن بصاحب "الصحيح"، وهو الإمام مسلم فقد أخرجه في "صحيحه" - كما سبق في التخريج - من طريق أبي الزّبير، عن جابر - ولم يذكر في الباب غيره -، ولولا هذا لكان الحديث مُعَلًاً بعنعنة أبي الزّبير. (١)


(١) قلتُ: إلا أنّ الإمام مسلم - رحمه الله - قد أخرج حديث الباب في "صحيحه" - كما سبق في التخريج - ولمْ يخرِّج في الباب غيره، وقد أخرجه من طريق مَعْقِل بن عُبيد الله الجَزَري، عن أبي الزُّبير؛ و مَعْقِل هذا يُضَعّف حديثه عن أبي الزُّبير خاصة، قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي" (٢/ ٦٢١): قومٌ ثقاتٌ في أنفسهم، لكنَّ حديثهم عن بعض الشيوخ فيه ضعفٌ بخلاف حديثهم عن بقية شيوخهم، وهؤلاء جماعة كثيرون، وعَدَّ منهم: مَعْقِل بن عُبيد الله الجزري، وقال: ثقة، كان أحمد يُضَعِّف حديثه عن أبي الزبير خاصة، ويقول: "يشبه حديثه حديث ابن لهيعة"، ثم قال: ومن أراد حقيقة الوقوف على ذلك فلينظر إلى أحاديثه عن أبي الزبير، فإنه يجدها عند ابن لهيعة يرويها عن أبي الزبير كما يرويها معقل سواء.
ثم ذكر بعض ما أُنكر على مَعْقِل بهذا الإسناد، فذكر حديثيْن كليْهما أخرجه مسلم في "صحيحه" في الشواهد - كما أشار محققه الفاضل د/ نور الدين عتر -.
وفي موضع آخر (٢/ ٧٥٦)، قال ابن رجب: قاعدة مهمة: حُذَّاق النُّقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك. وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم، والمعرفة، التي خصوا بها عن سائر أهل العلم، ثم سَرَدَ أمثلة على ذلك، وذكر منها: مَعْقِل بن عُبيد الله الجزري، ونَقَل قول أحمد السابق فيه. ا. هـ.

وقد أعلَّ الإمام أبو الفضل محمد بن أبي الحسين - المعروف بالشهيد الهروي - في "علل الأحاديث في صحيح مسلم" (ص/٥٥/برقم ٥) حديثًا، فقال: وَوجدتُ فِيهِ من حَدِيث ابْن أَعْيَن، عَن مَعْقِل، عَن أبي الزّبير، عَن جَابر، عَن عمر بن الْخطاب - رضي الله عنه -، أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "رأى رجلا تَوَضَّأ فَترك مَوضِع ظفرٍ على قَدَمِه .... الحديث"، ثم قال:
وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يُعرف من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن أبي الزبير بِهَذَا اللَّفْظ - ثم بَيَّنَ أنّ هذا خطأ، والصواب أنه موقوف من قول عُمر، وتعقّبه المحقق الفاضل، وبَيَّنَ صحة الوجهيْن مرفوعًا، وموْقُوفًا، فالرفع زيادةٌ من الثقة وهي مقبولة - قلتُ: لكن الشاهد لنا هو قول الهروي: إنما يُعرف هذا - أي رواية مَعْقِل - من حديث ابن لَهِيعة، عن أبي الزُّبير. قلتُ: فلعلّ رواية مَعْقِل بن عُبيد الله، عن أبي الزّبير، مما احتجّ به مسلم، مخالفًا غيره، يدلّ على ذلك قوْل الذهبي في "الميزان" (١/ ٤١٠/في ترجمة جعفر بن سُليمان الضُّبَعيّ): وهو صدوقٌ في نفسه، وينفرد بأحاديث عُدَّتْ ممَّا يُنكر، واختُلف في الاحتجاج بها، ثم ذكر عدة أحاديث، ثم قال: وغالب ذلك في "صحيح مسلم". قلتُ: وهذا احتمالٌ يحتاج إلى بحثٍ وتحرير. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>