للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث فهو "ضعيفٌ" أيضاً؛ لإرساله كما قال أبو حاتم، ولو قلنا بالوجه الرابع فهو كسابقه "ضعيفٌ" لإرساله، وهو موقوفٌ أيضاً. ولو قلنا بالوجه الأول فهو "ضعيفٌ" أيضاً لاختلاط راويه، وعدم تميز روايته، هل رواه قبل أم بعد الاختلاط؟، والحديث مُتوقفٌ أيضاً على ثبوت سماع المُسيَّب بن رافع مِن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

وعلى كل حال فالإسناد مِن جميع وجوهه المحتملة "ضعيفٌ"؛ والحديث فيه عِلةٌ أخرى، وهى مخالفته لما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ "، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». (١)

ولمخالفته ما أجمع عليه علماء الأمة، قال الإمام النووي: وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا مرة واحدة بأصل الشرع وقد تجب زِيَادَة بِالنَّذْرِ. (٢)

لذلك تتابع العلماء بالحكم عليه بالضعف والبطلان، كالآتي:

- قال أبو حاتم: اضطراب الناس في حديث العلاء بن المسيب، فقال له ابنه: فأيها الصحيح منها؟ قال هو مضطرب، فأعاد عليه، فلم يزده على قوله: هو مضطرب. (٣)

- وقال الدارقطني - بعد ذكره للأوجه المُختلف فيه على العلاء بن المُسيَّب -: وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. (٤)

- وقال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قُلْنَا رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ حَرَامٌ فَكَيْفَ إثْبَاتُ حُكْمٍ بِهِ. (٥)

- وقال القرطبي: وقال بعض الناس: يجب الحج في كل خمسة أعوام مرة، ورووا في ذلك حديثا أسندوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحديث باطلٌ لا يصح، والإجماع صادٌ في وجوههم. (٦)

وفي المقابل نجد بعض أهل العلم قد أخذوا بظاهر الإسناد وحكم على الحديث بالصحة، كالآتي:

- فقد أخرجه ابن حبَّان في "صحيحه" - كما سبق في التخريج -، وبوَّب عليه ابن بلبان، فقال: ذِكْرُ الإِخبار عن إثبات الحرمان لمن وسَّعَ اللَّهُ عليه، ثُمَّ لم يَزُر البيت العَتِيق في كلِّ خَمْسَة أعوام مَرَّة. وقال محققه الشيخ/ شُعيب الأرنؤوط: حديثٌ صحيحٌ رجاله ثقات رجال الشَّيخين غير خلف بن خليْفَة، فمن رجال مُسلم، وقد اختلط قبل موته، ولكن تابعه سُفيان الثَّوري.


(١) أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (١٣٣٧) ك/الحج، ب/ فَرْضِ الْحَجِّ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ.
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" ٩/ ١٠١.
(٣) يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (٣/ ٢٨٣/ مسألة ٨٦٩).
(٤) يُنظر: "العلل" (١١/ ٣١١/ مسألة ٢٣٠٣).
(٥) يُنظر: "الفتاوى" للسبكي (١/ ٢٦٢)، "فيض القدير" للمناوي (٢/ ٣١٠).
(٦) يُنظر: "أحكام القرآن" للقرطبي (٤/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>