للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (١)، الحمد لله بجميع مَحَامِده كلها ما علمتُ مِنْها وما لم أعلم، على جميع نعمه كلها ما علمتُ منها وما لم أعلم، عدد خلقه كلهم ما علمتُ مِنْهُم وما لم أعلم، حَمْدًا يُوافي نعمه، ويُكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. (٢)

وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّهُ، وحده لا شَرِيكَ له، له الملك وله الحمد يُحيي ويُميتُ، وهو على كل شيء قدير، إِقْرَارَ مَنْ لاح له الهُدَى فَعَرَفَ، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مُنْتَهَى الكَرَمِ والشَّرَفِ، صَلَّى اللَّهُ وسلَّم عليه، وعلى آله وصحبه ومَنْ قَفَا أَثَرَهُمْ، ومِنْ بِحَارِ عُلُومِهِمُ اغْتَرَفَ. (٣)

أمَّا بعد:

فإنَّ علم الحديث مَفْخَرةٌ مِنْ مفاخر العلوم الإسلامية، وجوهرةٌ مِنْ جواهرها النَّفيسة، فقد كان أول مَنْهجٍ عِلْمِيٍّ يُوضع في تاريخ العلوم الإنسانية لتمحيص الرِّوايات، وتدقيق الأخبار، ومعرفةِ الصحيح مِنْ الضعيف، والمقبول مِنْ المردود، بَيْنَما كان هذا الأمر غُفْلاً عند الأُمم الأُخْرَى؛ ينقلون ما هبَّ ودَبَّ مِنْ الرِّوايات والقصص والأخبار؛ دون أن يكون لديهم أي ميزانٍ أو ضابطٍ لها، حتى لو كانت تتعلَّقُ بدينهم، أو تدخل في عقائدهم؛ لذا راجت عندهم الأساطير، ودَاخَلَ مُعتقداتهم التحريفُ، وشَابت كُتُبَهم التُّرَّهاتُ والأباطيل.

فكان هذا العلم - وهو علم الحديث - مِنْ تكريم الله - سبحانه وتعالى - لهذه الأمة، ومِنْ تشريفه لها، وكيف لا … ؟ وقد جعلها الله - عز وجل - خير أمَّة أُخرجت للنَّاس!! قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (٤).

وهو إعجازٌ مِنْ الله - سبحانه وتعالى - في حفظ كتابه؛ لأنَّ السُّنة هي المُبَيِّنةُ للقرآن، وهي المُفَسِّرةُ له، وحفظ الشيء يكون بحفظ بيانه، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٥). (٦)

لذلك فإنَّ الله تعالى وَفَّق للسُّنَّة حُفاظًا عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المُبطلين، وتأويل الجاهلين، فتنوعوا في تصنيفها، وتفننوا في تدوينها على أنحاءٍ كثيرةٍ،


(١) سورة "الفاتحة"، الآية رقم (٢).
(٢) مِمَّا حفظته مِنْ شيخنا الجليل فضيلة الشيخ/عبد السلام أبي الفضل - رحمه الله، ورضي الله عنا وعنه، وأرضانا وأرضاه آمين -، وكان كثيرًا ما يُرَدِّدُها في خطبه، ودروسه - نفعنا الله بها -.
(٣) مقتبسٌ مِنْ مقدمة كتاب "إتحاف المهرة" للحافظ ابن حجر (١/ ١٥٧) - بتصرف -.
(٤) سورة "آل عمران"، الآية رقم (١١٠).
(٥) سورة "النحل"، الآية (٤٤).
(٦) مقتبسٌ مِنْ مقدمة كتاب "التَّفرُّد في رواية الحديث ومنهج المُحَدِّثين في قبوله" د/عبد الجَوَاد حَمَام (ص/٩ - ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>