للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الاعتبار، فقيل له: إذا كان من يروى عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك وابن وهب يُحتج به؟ قال: لا. وسئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فقال: آخره وأوله سواء إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يَتَتَبَّعَان أصوله فيكتبان منها، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ (أي: مِن حفظه، أو مِمَّا يُقرأ عليه). وقال ابن خزيمة: وابن لهيعة لست ممن أُخَرِّج حديثه في هذا الكتاب إذا انفرد، وإنَّما أخرجته لأن معه جابر ابن إسماعيل. وقال ابن حبَّان: قد سبرت أخبار ابن لهيعة مِنْ رِوَايَة المُتَقَدِّمين والمتأخرين عَنهُ فَرَأَيْتُ التَّخْلِيط في رِوَايَة المُتَأَخِّرين عنه موجودًا، وما لا أصل له مِنْ رواية المُتَقَدِّمين كثيرًا، فرجعتُ إلى الاعتبار فرأيتُه كان يُدَلس عن أَقوام ضعفى عن أقوام رَأَىهُمْ ابن لهيعة ثقات فالتزقت تلك الموضوعات به، وأمَّا رواية المُتَأَخِّرين عنه بعد احتراق كتبه ففيها مَنَاكِير كثيرة وذاك أنَّه كان لا يُبَالي ما دُفِعَ إليه قِرَاءَة سواء كان ذلك مِنْ حديثه أو غير حديثه؛ فَوَجَبَ التَّنَكُّبُ عن رواية المُتَقَدِّمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها مِنْ الأخبار المُدَلَّسة عن الضُّعَفَاء والمتروكين وَوَجَب ترك الاحتجاج برواية المُتَأَخِّرين عنه بعد احتراق كتبه لما فيه مِمَّا ليس مِنْ حديثه. وقال الفلاس: احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري أصح من الذين كتبوا بعد ما احترقت الكتب، وهو ضعيف الحديث. وقال ابن عدي: ضَعيفٌ. وقال أيضاً: حسن الحديث يُكتب حديثه. وقال الدارقطني: يُعتبر بما يروي عنه العبادلة ابن المبارك، والمقرئ، وابن وهب.

وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": يُروى حديثه في المتابعات ولا يحتج به (أي: عند الانفراد). وقال في "السير": ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مَنَاكِيْرَ، فانحطَّ عن رُتْبَةِ الاحتجاج به عندهم، وبعض الحفَّاظ يروي حديثه، ويذكره في الشَّوَاهِدِ والاعتبار، والزُّهْدِ، والملاحم، لا في الأُصُولِ، وبعضهم يُبَالِغُ في وَهْنِهِ، ولا يَنْبَغِي إِهدَارُهُ، وَتُتَجَنَّبُ تلك المناكير، فإنَّهُ عَدْلٌ في نَفْسِهِ. وقال ابن حجر في "الفتح": لا يُحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟، وقال أيضاً في موضع آخر: لا بأس به في المتابعات. وغيرها مِن الأقوال.

- وقال السعدي: ابن لَهِيعَة لا يُوقف على حديثه، ولا ينبغي أن يُحتج بروايته أو يُعتد بروايته.

- وقد قام أستاذنا الفاضل أ. د/ أحمد مَعْبِد - حفظه الله ورعاه - بدراسة حال ابن لَهيعة فيما يزيد على أكثر مِن سبعين صفحة، بجمع أكثر ما وقف عليه مِن أقوال أهل العلم فيه مِن تلامذته الذين خَبَروه، وغيرهم مِن المتقدمين، والمتأخرين، بل والمعاصرين أيضاً، مع الجمع والترجيح بين الأقوال المتعارضة بعضها لبعضٍ حتى بالنسبة لأقوال العالم الواحد، مع التحليل لمجموع أقوال كل عالم، ثُمَّ بَيَّن في النهاية خلاصة حاله، مستخلصاً ذلك مِن مجموع أقوال جمهور أهل العلم مِن المتقدمين وأشهر المُحققين مِن المتأخرين، ويمكن تلخيص ما وصل إليه أستاذنا الفاضل - حفظه الله - في النقاط التالية:

١) أنَّه صدوقٌ في نفسه، وأنَّ ما وقع في روايته من الخطأ والوهم إنما لسوء حفظه، ولمْ يقصد الكذب، لذا نفاه عنه غير واحدٍ من أهل العلم، وعليه فتوثيق بعض أهل العلم له إنما يُقصد به عدالته وصدقه.

٢) أنَّ مجموع كلام أهل العلم فيه - بعد النظر فيها، والجمع بين المتعارض منها - يدلُّ على أنَّه ضعيفٌ من جهة حفظه وضبطه، قبل وبعد احتراق كتبه، لكنَّه بعد احتراق كتبه أسوأ حفظًا، إلا أنَّ ضعْفه مما يُعتبر به في المتابعات والشواهد، ويرجع سوء حفظه في آخر حياته إلى عدة أسباب، منها:

<<  <  ج: ص:  >  >>