أ احتراق كتبه: فلا شكّ أنَّه كان له تأثيرٌ في زيادة ضعفه.
ب إصابته بالفالج - وهو نوْعٌ من الشلل يصيب أحد شقي الجسم طُولًا - في آخر حياته، وبيَّن تلميذه عثمان السَّهمي أنَّ هذا هو السبب الحقيقي لسوء حفظه، إلَّا أنَّ هذا السبب لمْ يشتهر مثل احتراق كتبه.
ت تساهله في الأداء حيث كان يَقرأ عليه بعض طلاب الرواية ما ليس من حديثه، فَيُقِرُّه به إما بتحديثه به، أو بسكوته عنه، لذا دخل في مرويَّاته عن شيوخه مَا لم يروه عنهم، مع قلة ذلك في مرويَّاته لكونه كان قبل موته بأربع سنين، بالإضافة إلى قلة الفاعلين له من تلامذته مِمَّن لا يتقِ الله - سبحانه وتعالى -.
٣) وأمَّا ما ذهب إليه بعض العلماء بصحة رواية العبادلة عنه ليس المُراد بها الصحة الاصطلاحية، بل المُراد بها أنَّ رواية هؤلاء العبادلة عنهم وأمثالهم تُعتبر أقوى الضعيف، وأنَّها أقل ضَعْفًا من رواية غيرهم؛ لِما تميَّزوا به عن غيرهم من حيث الثقة والأخذ عنه قبل زيادة سوء حفظه مع التحرِّي لمرويّاته بحيث كان منهم مَن ينقل مِن أصوله الخطية بجانب السماع منه؛ كابن المبارك، وابن وهبٍ، ويُؤيِّد ذلك عدة أمورٍ، منها:
أ إنَّ بعض هؤلاء العبادلة قد انتقد بنفسه ابن لهيعة من جهة ضبطه وحفظه، ثم جاء مَنْ بعدهم كأحمد، وأبي حاتم، وأبي زُرعة، وغيرهم، وصرَّحوا بأنَّه يُكتب حديثه للاعتبار.
ب كما ذكر غير واحدٍ من أهل العلم كالبخاري، وابن حبَّان، وابن عدي، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم، جملة من الأحاديث المُنتقدة على ابن لهيعة من رواية بعض هؤلاء العبادلة عنه، وحَكَمُوا بنكارتها.
ت كما أنَّ بعض العلماء جمعوا في سياقٍ واحد بين تضعيف ابن لهيعة وعدم الاحتجاج به، وبين تقوية رواية بعض هؤلاء العبادلة وأمثالهم عنه.
لكن قد يُستفاد من تقوية رواية العبادلة ومَنْ روى عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه عند الاختلاف في الرواية عن ابن لهيعة، فيُرجَّحُ مِنْها ما كان قبل احتراق كتبه، أو ما كان من رواية أحد العبادلة عنه، وينجبر عند وجود ما يُقوِّيه من مُتابعٍ أو شاهدٍ.
٤) وأمَّا عن مسألة احتراق كتبه: فقد اختلف فيها أهل العلم بين مُثْبتٍ لها ونافٍ، ولعلَّ الراجح هو: ما نُقل عن بعض تلامذته بأنَّ دار ابن لهيعة قد احترقت، واحترق بعض ما كان يقرأ منه - وهي نسخه الفرعية التي كان قد نسخها لنفسه ليقرأ منها -، وسَلِمت نُسَخُهُ الأصلية التي أثبت عليْها سماعاته من شيوخه، والتي لم يُحدِّث مِنها إلا مَرَّة واحدة في بداية حياته، ثُمَّ حفظها ولم يُمكن أحداً مِنْها إلا بعض خواص تلامذته كابن وهبٍ وابن المبارك وغيرهما، حفاظاً عليها مِن العبث والتغير فيها.
٥) وأمَّا عن اختلاطه: فاختلف فيه أهل العلم أيضًا، فنفاه عنه أهل بلده؛ خاصةً بعض تلامذته، ومعاصريه؛ كالليث بن سعد، وغيره، وأثبته البعض، ولعلّ الراجح هو عدم ثبوت اختلاطه، وأنَّ مَرَدَّ ضعفه إلى سوء حفظه وقلة ضبطه، لذا نقل برهان الدين الحلبي في "الاغتباط" عن بعض مشايخه وصفه ابن لهيعة بالاختلاط، ثم أعقب ذلك بقوله: والعمل على تضعيف حديثه، والله تعالى أعلم. (١)
(١) يُنظر: "التاريخ الكبير" ٥/ ١٨٢، "الجرح والتعديل" ٥/ ١٤٥، "المجروحين" لابن حبَّان ٢/ ١١، "الكامل" لابن عدي ٥/ ٢٣٧، "تهذيب الكمال" ١٥/ ٤٨٧، "الكاشف" ١/ ٥٩٠، "تاريخ الإسلام" ٤/ ٦٦٨، "تذكرة الحفَّاظ" (ص/٢٣٧)، "سير أعلام النبلاء" ٨/ ١١، "ميزان الاعتدال" ٢/ ٤٧٥، "المختلطين" للعلائي (ص/٦٥)، "تهذيب التهذيب" ٥/ ٣٧٣، "تعريف أهل التقديس" (ص/٥٤)، "الكواكب النيرات" ١/ ٤٨١، "التقريب" (٣٥٦٣)، "فتح الباري" ٢/ ٢٥٣ و ٤/ ٩٣، "النفح الشذي في شرح جامع الترمذي" بتحقيق أستاذنا الفاضل أ. د/ أحمد معبد عبد الكريم - حفظه الله - (٢/ ٧٩٠ - ٨٦٣).