للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتجب عليه التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي: أصحهما وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف: أنه لا كفارة عليه. وممن ذهب إليه من السلف: عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وأيوب السختياني والثوري والليث بن سعد. والقول الثاني وهو القديم الضعيف أنه يجب عليه الكفارة، وهو مروي عن ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جُبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه، والصواب ألا كفارة.

القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك: وهو حلال باتفاق العلماء. وقد نقل الشيخ أبو حامد الاسفرايني وجماعة كثيرة الإجماع على هذا.

وأما ما حُكي عن عبيدة السلماني وغيره من أنَّه لا يُباشر شيئا منها بشيء منه فشاذٌ مُنكرٌ غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق الإزار وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده.

ثم إنه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذى يستمتع به شيء من الدم أو لا يكون، هذا هو الصواب المشهور الذي قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء للأحاديث المطلقة.

القسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر، وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها عند جماهيرهم وأشهرها في المذهب أنها حرام. والثاني: أنها ليست بحرام ولكنها مكروهة كراهة تنزيه، وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار. والوجه الثالث: إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته وإمَّا لشدة ورعه جاز وإلا فلا وهذا الوجه حسنٌ.

ومِمَّن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقاً مالك وأبو حنيفة، وهو قول أكثر العلماء، منهم: سعيد بن المسيب وشريح وطاووس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة. ومِمَّن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود، وقد قدمنا أن هذا المذهب أقوى دليلاً، واحتجوا بحديث أنس «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ». (١) قالوا: وأمَّا اقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - في مباشرته على ما فوق الإزار: فمحمول على الاستحباب.

وأما قول الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (٢) فالمراد: اعتزلوا وطأهن ولا تقربوا وطأهن، والله أعلم. وقال ابن حجر: وفي الحديث جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد واستحباب اتخاذ المرأة ثياباً للحيض غير ثيابها المعتادة. (٣)

* * *


(١) أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه" (٣٠٢) ك/الحيض، ب/اصنعوا كل شيء إلا النكاح.
(٢) سورة "البقرة"، آية (٢٢٢).
(٣) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" (٣/ ٢٠٢ - ٢٠٧)، "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>