أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ أَتَمَّ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُهَاجِرِ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يُقَاسَ الْمُسَافِرُ يُقِيمُ عَلَى الْمُهَاجِرِ يُقِيمُ؟ هَذَا لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، وَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ،؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، لَا كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُهَاجِرُ فَمَكْرُوهٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، فَأَيُّ نِسْبَةٍ بَيْنَ إقَامَةٍ مَكْرُوهَةٍ وَإِقَامَةٍ مُبَاحَةٍ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لِلْمُهَاجِرِ دَاخِلٌ عِنْدَهُمْ فِي حُكْمِ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا لَا مُقِيمًا، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِلْمُسَافِرِ فَإِقَامَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُقَاسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ قِيسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لَوَجَبَ أَنْ يَقْصُرَ الْمُسَافِرُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، لَا أَنْ يُتِمَّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ إقَامَةَ قَدْرِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَكْرُوهَةٌ، فَيَنْبَغِي عِنْدَهُمْ - إذَا قَاسُوا عَلَيْهِ الْمُسَافِرَ - أَنْ يُتِمَّ وَلَوْ نَوَى زِيَادَةَ صَلَاةٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ.
وَهَكَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ؟ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَرِيَتْ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا عَنْ حُجَّةٍ، فَوَجَبَ أَنْ نُبَيِّنَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ؟
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْإِقَامَةُ فِي الْجِهَادِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْقَصْرَ إلَّا مَعَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَصْرَ إلَّا مَعَ السَّفَرِ، لَا مَعَ الْإِقَامَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ حَالَ السَّفَرِ غَيْرُ حَالِ الْإِقَامَةِ، وَأَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا هُوَ التَّنَقُّلُ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِقَامَةِ وَأَنَّ الْإِقَامَةَ هِيَ السُّكُونُ وَتَرْكُ النُّقْلَةِ وَالتَّنَقُّلِ فِي دَارِ الْإِقَامَةِ، هَذَا حُكْمُ الشَّرِيعَةِ وَالطَّبِيعَةِ مَعًا. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُقِيمُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مُقِيمٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ بِلَا شَكٍّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَالِ الْإِقَامَةِ وَحُكْمِهَا فِي الصِّيَامِ وَالْإِتْمَامِ إلَّا بِنَصٍّ.
وَقَدْ صَحَّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ فِي حَالِ سَفَرِهِ فَأَقَامَ بَاقِيَ نَهَارِهِ وَلَيْلَتِهِ، ثُمَّ رَحَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَصَرَ فِي بَاقِي يَوْمِهِ ذَلِكَ وَفِي لَيْلَتِهِ الَّتِي بَيْنَ يَوْمَيْ نُقْلَتِهِ، فَخَرَجَتْ هَذِهِ الْإِقَامَةُ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْإِتْمَامِ، وَالصِّيَامِ، وَلَوْلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute