مَا لَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِ، مِنْ أَنَّهُ رَوَى لَنَا الْمَنْسُوخَ وَكَتَمَ النَّاسِخَ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكُمْ هَذَا وَبَيْنَ مِنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا رَوَى، فَالدَّاخِلَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا رُوِيَ مِنْهُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، لَا فِيمَا رَوَاهُ هُوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَسْنَا نَقُولُ: بِشَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، بَلْ نَقُولُ: إنَّ الْحَقَّ أَخْذُ رِوَايَةِ الرَّاوِي، لَا أَخْذُ رَأْيِهِ، إذْ قَدْ يَتَأَوَّلُ فِيهِمْ، وَقَدْ يَنْسَى، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكْتُمَ النَّاسِخَ وَيَرْوِي الْمَنْسُوخَ؟ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُوهَمُوا هَهُنَا بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالزُّهْرِيَّ: مُخَالِفُونَ لِاخْتِيَارِ مَالِكٍ، وَمَا وَجَدْنَا مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ إلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: وَمِنْهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَخَذَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ عَنْهُ -: وَهُوَ أَنْ يَصُفَّهُمْ الْإِمَامُ صَفَّيْنِ: طَائِفَةٌ خَلْفَهُ، وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ -: فَيُصَلِّي بِاَلَّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، فَإِذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَفَ، وَنَهَضَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ فَوَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ بَعْدُ.
ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَتُكَبِّرُ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لَهُ وَهِيَ لَهُمْ الْأُولَى، فَإِذَا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ: سَلَّمَ، وَتَنْهَضُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، فَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ.
وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى فَتَرْجِعُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ، فَتَقْضِي فِيهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لَهَا، وَتُسَلِّمُ، ثُمَّ تَأْتِي فَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ.
وَتَرْجِعُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ، فَتَقْضِي فِيهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لَهَا.
إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ زَادَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ زِيَادَةً لَا تُعْرَفُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ قَبْلَهُ -: وَهِيَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute