وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لُزُومِ الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ، الطَّاعَةُ لَهَا وَالْعَمَلُ بِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ؟ قُلْنَا: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا مَتَى وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقُولُ فِي آيَةٍ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَنْ يُقَالَ بِقَوْلِهِ؛ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ قَوْلَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ: إنَّهَا خَاصَّةٌ، وَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ «عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟ قَالَ: لَكُمْ خَاصَّةً» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ مَجْهُولٌ وَلَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ هَذَا الْخَبَرَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ؛ وَقَدْ صَحَّ خِلَافُهُ بِيَقِينٍ؛ كَمَا أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ» .
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا جَمِيعًا: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ لَا يَخْلِطُهُ شَيْءٌ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً، وَأَنْ نَحِلَّ إلَى نِسَائِنَا فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهِ لَأَنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ؟ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَكَذَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَابِرٍ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ وَأُمِنَ [مِنْ] ذَلِكَ أَبَدًا، وَوَاللَّهِ إنَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ ثُمَّ عَارَضَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلَامِ أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّهُ كَلَامُ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبَوَيْهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَهَالِكٌ؛ فَكَيْفَ بِأُكْذُوبَاتٍ كَنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ الَّذِي هُوَ أَوْهَنُ الْبُيُوتِ؟ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ، وَالْمُرَقَّعِ، وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ الَّذِينَ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ فِي الْخَلْقِ، وَمُوسَى الرَّبَذِيِّ، وَكَفَاك وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute