أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَوَازَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ دُونَ مَا بَيَّنَهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ إنْكَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لَهُمْ خَاصَّةً أَوْ لِعَامِهِمْ دُونَ ذَلِكَ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَارًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَبَرَ الثَّابِتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ فَقَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ " فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إنَّمَا أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَوْلًا وَعَمَلًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ لِيُعَلِّمَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَبِحَقِّ أَمْرٍ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: بِبَاطِلٍ كَفَرُوا، وَإِنْ قَالُوا: بِحَقٍّ؟ قُلْنَا: فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ لِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ قَدْ صَارَ حَقًّا وَاجِبًا، ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا الْهَوَسُ الَّذِي قَالُوهُ فَلِأَيِّ مَعْنًى كَانَ يَخُصُّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ دُونَ مَنْ سَاقَ؟ وَأَطَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ بِهِمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ قَبْلَ الْفَتْحِ، ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ؛ فَفَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ، فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَبَلَغَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ الْبَلَادَةِ، وَالْبَلَهِ، وَالْجَهْلِ أَنْ لَا يَعْرِفُوا مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ وَقَدْ عَمِلُوهَا مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامًا بَعْدَ عَامٍ بَعْدَ عَامٍ [فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ] حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُمْ فِي عُمْرَةٍ لِيَعْلَمُوا جَوَازَ ذَلِكَ، تَاللَّهِ إنَّ الْحَمِيرَ لِتُمَيِّزَ الطَّرِيقَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا؛ فَكَمْ هَذَا الْإِقْدَامُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى مُدَافَعَةِ السُّنَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute