للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] .

فَقَالَ قَوْمٌ: إذَا رَجَعْتُمْ إلَى بِلَادِكُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: إذَا رَجَعْتُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِلَا نَصٍّ وَلَا ضَرُورَةَ مُوجِبَةٌ لِتَخْصِيصِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ - تَعَالَى - صِيَامَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ؛ ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ الْمُوجِبِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الصِّيَامَ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيُقَصِّرْ، وَيَحِلَّ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» .

قُلْنَا: نَعَمْ وَالرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْمَشْيُ إلَى بَلَدِهِ، وَالْآخَرُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ؛ وَإِنْ حَلَّ لَهُ فِيهَا مَا كَانَ لَهُ حَرَامًا بِالْعَمَلِ لِلْحَجِّ.

وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَحَمْلُهُ عَلَى كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُجُوعٍ هُوَ الْوَاجِبُ، فَإِنْ صَامَ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ صَامَهَا إذَا رَجَعَ بِالْمَشْيِ فَذَلِكَ جَائِزٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ حَتَّى أَتَمَّ الْحَجَّ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَكَمِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيَيْنِ: هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَهَدْيًا لِتَأْخِيرِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَصُومُهُنَّ بَعْدَ الْحَجِّ - وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُطْعِمُ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ نَصَّ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>