للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، وَلَا ثَمَنَهُ أَنَّ فَرْضَهُ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ، وَأَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ بِيَقِينٍ، وَبِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ.

وَإِيجَابٌ هَدْيٍ قَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ صِيَامَهَا فِيهِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَعُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولَانِ: لَا يَصُومُ بَعْدُ - وَعَلِيٌّ يَقُولُ: لَا يُهْدِي بَعْدُ - وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ: لَا يُهْدِي وَلَا يَصُومُهُنَّ، لَكِنْ يُطْعِمُ - وَغَيْرُهُ لَا يَرَى الْإِطْعَامَ، فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ صَوْمٍ، أَوْ هَدْيٍ، أَوْ إطْعَامٍ بِغَيْرِ إجْمَاعٍ وَلَا نَصٍّ؛ بَلْ النَّصُّ مَانِعٌ مِنْهُمَا، وَغَيْرُ مُوجِبٍ لِلْإِطْعَامِ.

وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] . وَهُوَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ قَدْ فَاتَ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بَعْدُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَسَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهَا كَمَا أَمَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ صِيَامُ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا أَبَدًا وَتُجْزِئُ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ، وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَلَا تُصَامُ عَنْهُ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ بَعْدُ، إلَّا أَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى - إنْ كَانَ تَعَمَّدَ تَرْكَ صِيَامِهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُهَا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلْيَتُبْ وَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وَجَدَ هَدْيًا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صِيَامَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّهُنَّ، وَقَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ، وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ - وَقَدْ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ - فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ [وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ] وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الصَّوْمِ عَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ -: قَالَ عَلِيٌّ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنَّمَا أَوْجَبَ - تَعَالَى - مَا أَوْجَبَ مِنْ الْهَدْيِ، أَوْ مِنْ الصَّوْمِ إنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>