وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى نِكَاحَهُ جَائِزًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» .
وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ» وَكَذَلِكَ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَعَارَضَهُمْ الْآخَرُونَ بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْأَصَمِّ ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «عَنْ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَالَ مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ: لَا يَعْدِلُ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - وَقَالُوا: قَدْ يَخْفَى عَلَى مَيْمُونَةَ كَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا، فَالْمُخْبِرُ عَنْ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحْرِمًا زَائِدٌ عِلْمًا؛ وَقَالُوا: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَارِدٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ فَهُوَ أَوْلَى؛ وَقَالُوا فِي خَبَرِ عُثْمَانَ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» : إنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يُوطِئُ غَيْرَهُ وَلَا يَطَأُ؛ ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِوَسَاوِسَ مِنْ الْقِيَاسِ عُورِضُوا بِمِثْلِهَا لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهَا حَمَاقَاتٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَكُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ أَمَّا تَأْوِيلُهُمْ فِي خَبَرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَطَأُ وَلَا يُوطِئُ: فَبَاطِلٌ وَتَخْصِيصٌ لِلْخَبَرِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ صَرَفُوا كَلَامَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، قَالَ تَعَالَى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦] .
وَيُبَيِّنُ ضَلَالَ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَا يَخْطُبُ» فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ النِّكَاحَ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ هَذَا اللَّفْظَ بِلَا نَصٍّ بَيِّنٍ.
وَأَمَّا تَرْجِيحُهُمْ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى خَبَرِ مَيْمُونَةَ بِقَوْلِهِمْ: لَا يُقْرَنُ يَزِيدُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَعَمْ وَاَللَّهِ لَا نَقْرِنُهُ إلَيْهِ وَلَا كَرَامَةَ، وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ إنَّمَا رَوَى يَزِيدُ عَنْ مَيْمُونَةَ، وَرَوَى أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلْيَسْمَعُوا الْآنَ إلَى الْحَقِّ -: نَحْنُ نَقُولُ: لَا نَقْرِنُ ابْنَ عَبَّاسٍ صَبِيًّا مِنْ صِبْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute