وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُوجِبْ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقَعُ التَّفْرِيقُ بِتَمَامِ اللِّعَانِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ، وَإِذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ - فَكَانَ هَذَا عَجَبًا؟ وَنَقُولُ لَهُمْ: فَإِنْ أَبَى الْحَاكِمُ مِنْ التَّفْرِيقِ أَيَبْقَيَانِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا؟ هَيْهَاتَ حَاكِمُ الْحُكَمَاءِ قَدْ فَرَّقَ، فَتَفْرِيقُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ تَرْكُهُ التَّفْرِيقَ نَبِيبُ تَيْسٍ مِنْ الْحَزْنِ سَوَاءٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - بِتَمَامِ الْتِعَانِ الرَّجُلِ يَقَعُ التَّفْرِيقُ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ - وَهَذِهِ أَيْضًا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ كَمَا قُلْنَا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً حُدَّ لِلْقَذْفِ، وَلَا لِعَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا زِنًى أَصْلًا، لِأَنَّ الزِّنَا مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَاتَانِ لَا تَقَعُ مِنْهُمَا مَعْصِيَةٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ الصَّغِيرَ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ.
وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ حَيْثُ لَا يُوقَنُ بِكَذِبِهِ فَإِسْقَاطُهُ عَنْ الْقَاذِفِ حِينَ يُوقَنُ بِكَذِبِهِ خَطَأٌ، وَالْحَدُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ رَمَى مِنَّا بِالزِّنَا.
وَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْكَلَامُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ إيَّاهُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
فَصَحَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَا اسْتَطَاعَ، وَالْأَخْرَسُ يَسْتَطِيعُ الْإِفْهَامَ بِالْإِشَارَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا.
وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَعِنُ بِلُغَتِهِ بِأَلْفَاظٍ يُعَبِّرُ بِهَا عَمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ.
وَالْعَجَبُ مِنْ زِيَادَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ بِرَأْيِهِ، زِيَادَاتٌ فِي غَايَةِ السُّخْفِ عَلَى مَا فِي آيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute