للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ فِي قَوَدِهِ، وَلَا فِي قِصَاصٍ، أَصْلًا - وَوَجَبَ ضَرُورَةً اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا، إذْ لَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا.

وَمِنْ فَضَائِحِ الْحَنَفِيِّينَ - الْمُخْزِيَةِ لِقَائِلِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ - قَطْعُهُمْ يَدَ الْمُسْلِمِ بِيَدِ الذِّمِّيِّ الْكَافِرِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ قَطْعِ يَدِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ بِيَدِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، نَعَمْ، وَلَا يَقْطَعُونَ يَدَ الذِّمِّيِّ الْكَافِرِ إنْ تَعَمَّدَ قَطْعَ يَدِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْمَصَائِبِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] .

فَإِنْ اعْتَرَضُوا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَرٍّ عَنْ يَسِيعَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَهُمْ يَقْتُلُونَ - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - فَقَالَ عَلِيٌّ: فَاَللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ - عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَسِيعُ الْكِنْدِيُّ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ؟ وَجَوَابُ هَذَا السَّائِلِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلٌ بِحَقٍّ يَجْعَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَيَأْمُرُ بِإِنْفَاذِهِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَأَمَّا بِالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي - فَلَمْ يُؤَمِّنَّا اللَّهُ تَعَالَى - قَطُّ - مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَطْلَقَ أَيْدِي الْكُفَّارِ فِيمَا خَلَا عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَتَلُوهُمْ، وَعَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَرَحُوا وَجْهَهُ الْمُقَدَّسَ، وَكَسَرُوا ثَنِيَّتَهُ - بِنَفْسِي هُوَ، وَبِأَبِي وَأُمِّي.

وَكَمَا أَطْلَقَ أَلْسِنَةَ الْحَنَفِيِّينَ، وَأَيْدِي مَنْ وَافَقَهُمْ بِإِيجَابِ الْبَاطِلِ فِي الْقِصَاصِ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ - وَكُلُّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا رَضِيَهُ وَلَا جَعَلَهُ حَقًّا، بَلْ أَنْكَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ؟ نَعَمْ، وَفِي الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>