للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا أُصِيبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَيَبْطُلُ الْقَوَدُ جُمْلَةً فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمُ الصَّدَقَةِ بِالدَّمِ فِي النَّفْسِ، لِأَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، إنَّمَا هُوَ فِي التَّوْرَاةِ بِنَصِّ الْآيَةِ.

وَلَيْسَ ذَلِكَ خِطَابًا لَنَا، وَإِنَّمَا خُوطِبْنَا بِمَا بَعْدَهُ إذَا قُرِئَ كُلُّ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ خَاصَّةً، فَإِذَا قُرِئَ بِالنَّصْبِ فَلَيْسَ خِطَابًا لَنَا، وَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] الْآيَةَ، فَهِيَ بِنَصِّهَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهَا بِأَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ، هُوَ الَّذِي عُوقِبَ نَفْسُهُ - هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَحِلُّ صَرْفُهَا عَنْهُ بِالدَّعْوَى، وَهَكَذَا نَقُولُ.

وَلَيْسَ فِيهَا جَوَازُ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهَا جَوَازُ الصَّبْرِ عَنْ أَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ فَقَطْ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] إلَى قَوْلِهِ {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] فَهُوَ عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَفْوُ عَنْ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَعَفْوُ الْوَلِيِّ أَيْضًا دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنْ وَجَدْنَا مِنْهَا دَلِيلًا يَخُصُّ مِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُمْ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّمَا قَامَ بِدَعْوَةِ قَوْمِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ قَدْ حَارَبَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَعَ عَنْهُمْ - وَهُمْ أَطْغَى مَا كَانُوا - فَتَوَجَّهَ إلَيْهِمْ عُرْوَةُ دَاعِيًا إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ - فَرَمَوْهُ فَقَتَلُوهُ - وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ إذَا أَسْلَمَ وَلَا دِيَةَ، فَأَيُّ مَعْنًى لِلْعَفْوِ هَاهُنَا؟ وَهَكَذَا شَبَّهَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاحِبِ يَاسِينَ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا هِيَ تَمْوِيهَاتٌ يُرْسِلُونَهَا لَا يُفَكِّرُونَ فِي الْمَخْرَجِ مِنْهَا يَوْمَ الْمَوْقِفِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>