للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ - فَعَهْدُنَا بِإِسْمَاعِيلَ يَرُدُّ الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ فِيمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَيُوهِنُ رِوَايَتَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ كَلَامِهِ، لَا سِيَّمَا فِي الدِّينِ وَيُفَكِّرُ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨] لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَأَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْفَضِيحَةِ الْعَاجِلَةِ عِنْدَ مَنْ طَالَعَ أَقْوَالَهُمْ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ - وَتَرْكِ الْعَصَبِيَّةِ لِلْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تُغْنِي عَنَّا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، لَا هِيَ، وَلَا الْقَائِلُ بِهَا.

ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ فِيهِ عِلَلًا تَمْنَعُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ - وَلَيْسَ مَعْرُوفَ الْعَدَالَةِ - قَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ نَظَرٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ إيَّاهُ مِنْ الصَّاحِبِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّنَا لَا نَدْرِي ذَلِكَ الصَّاحِبَ أَصَحَّتْ صُحْبَتُهُ أَمْ لَا؟

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عُمُومًا كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] ، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخُصُّ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ لَهُ وَإِلَّا فَوَاجِبٌ حَمْلُهُمَا عَلَى عُمُومِهِمَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ - أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لِوُجُوهٍ:

أَوَّلُهَا: أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا مَا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ إذَا لَمْ يُوَافِقْ آرَاءَهُمْ، أَقْرَبُ ذَلِكَ حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ تُكْسَرُ، بِثُلُثِ دِيَةٍ.

فَقَوْلُ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ كَانَ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا وَإِذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ حُجَّةً وَحَلَّ خِلَافُهُ - وَهَذَا حُكْمٌ لَا طَرِيقَ لِلتَّقْوَى وَلَا لِلْحَيَاءِ إلَى قَائِلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>