وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا كُلَّهُ، وَحَكَمَ بِهِ، هُوَ أَيْضًا الْقَائِلُ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] .
وَهُوَ الْمُخْبِرُ لَنَا عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ عَفَا لَنَا عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ - وَهُوَ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ الْمُوجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ دِيَةً، وَكَفَّارَةَ عِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَفَّارَةِ.
وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى عَصَبَةِ قَاتِلِ الْخَطَأِ وَأَهْلِ بَطْنِهِ الَّذِي يَنْتَمِي إلَيْهِمْ دِيَةَ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً، وَالْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْجَنِينِ، وَكُلٌّ قَوْلُ حَقٍّ، وَكُلٌّ حُكْمُهُ وَاجِبٌ، يُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ، وَيُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ.
وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَخْذُ بَعْضِ أَوَامِرِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا ضَرْبُ أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، إذْ كُلُّهَا فَرْضٌ وَحَقٌّ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ لَهُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَحَدٍ غَرَامَةً عَنْ أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَاجِبٌ أَنْ نَنْظُرَ مَنْ الْعَصَبَةُ، وَالْبَطْنُ، وَالْأَوْلِيَاءُ - الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ - وَالْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ - فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَاقِلَةُ هُمْ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي دِيوَانٍ وَاحِدٍ فِي الْعَطَاءِ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ - أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الثُّلُثُ فِيمَا دُونَهُ، فِي خَاصَّةِ مَالِهِ - يَعْنِي: مَالَ الْجَانِي، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا - وَالْعَاقِلَةُ: هُمْ أَهْلُ دِيوَانِهِ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أُعْطِيَّاتِهِمْ، حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنْ الدِّيَةِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةً، فَإِنْ أَصَابَهُ أَكْثَرُ ضَمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ فِي النَّسَبِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute