الْمَوْقُوفَةُ عَلَى حُذَيْفَةَ - فَلَا تَصِحُّ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بِلَا شَكٍّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُمْ صَحَّ نِفَاقُهُمْ وَعَاذُوا بِالتَّوْبَةِ، وَلَمْ يَقْطَعْ حُذَيْفَةُ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِمْ، فَتَوَرَّعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ.
وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ: أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا، وَلَا أُخْبِرُ أَحَدًا غَيْرَك بَعْدَك - وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَرَى، لِأَنَّ مِنْ الْكَذِبِ الْمَحْضِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ يَشُكُّ فِي مُعْتَقَدِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَدْرِي أَمُنَافِقٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ جَمِيعَ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، إنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَقَطْ - فَظَهَرَ بُطْلَانُ هَذَا الْخَبَرِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَمُنْقَطِعٌ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ، وَإِذْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا نِفَاقًا بَلْ هُوَ كُفْرٌ مَشْهُورٌ، وَرِدَّةٌ ظَاهِرَةٌ - هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ " لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا ثَلَاثَةٌ " فَصَحِيحٌ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ فِي نَصِّ الْآيَةِ أَنْ يُقَاتِلُوا حَتَّى يَنْتَهُوا، فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَنْتَهُوا لَمَا تُرِكَ قِتَالُهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ " أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إلَّا أَرْبَعَةٌ " فَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ غَيْبَ الْقُلُوبِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَهُمْ مِمَّنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُبَيِّنُ هَذَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ ني إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ: كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ، قَالَ الْأَسْوَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: ١٤٥] فَتَبَسَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَفَرَّقَ الصَّحَابَةُ، فَرَمَانِي حُذَيْفَةُ بِالْحَصَى فَأَتَيْته، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبْت مِنْ ضِحْكِهِ وَقَدْ عَلِمَ مَا قُلْت " لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ النِّفَاقَ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ ثُمَّ تَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute