للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ نا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: إنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا حِينَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، فِي أَحَدِهِمَا بَيَانٌ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُسِرُّونَ، وَفِي الثَّانِي أَنَّهُمْ تَابُوا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُ مَنْ تَعَلَّقَ بِكُلِّ آيَةٍ وَكُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ.

وَصَحَّ أَنَّهُمْ قِسْمَانِ: إمَّا قِسْمٌ لَمْ يُعْلَمْ بَاطِنُ أَمْرِهِ، فَهَذَا لَا حُكْمَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِسْمٌ عُلِمَ بَاطِنُ أَمْرِهِ وَانْكَشَفَ فَعَاذَ بِالتَّوْبَةِ.

قَالُوا: إنَّ الَّذِي جَوَّرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ، وَلَا أَرَادَ بِقِسْمَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ مُرْتَدٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، مُنْكَشِفُ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ قُتِلَ، بَلْ فِيهَا النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهِ؟ قُلْنَا: أَمَّا هَذَا فَحَقٌّ، كَمَا قُلْتُمْ، لَكِنَّ الْجَوَابَ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَكُنْ أَمَرَ بَعْدُ بِقَتْلِ مَنْ ارْتَدَّ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ فَنُسِخَ تَحْرِيمُ قَتْلِهِمْ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «بَعَثَ عَلِيٌّ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ - بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ إنْ عَصَيْتُهُ؟ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَا تَأْمَنُونِي، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ فِي قَتْلِهِ - يَرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمَ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>