قَالُوا: فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ يَدْرِي أَمْرَهُ بِابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظِّلَّ لَا يَسْتَقِرُّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هَذَا لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي مَسْعُودٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَةٍ لَهُمْ فِي تَوْثِيبِ أَحْكَامِ الْأَحَادِيثِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ، وِتْرِكِ مَا فِيهَا، وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَا إشَارَةٌ، وَلَا دَلِيلٌ، وَلَا مَعْنَى يُوجِبُ امْتِدَادَ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ.
وَلَا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بَعْدَ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ.
وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا جَوَازُ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ حِينَ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَهُ فِيهِ جِبْرِيلُ بِأَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِيهِ، لَا فِيمَا بَعْدَهُ؟ وَذَكَرَ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْأُجَرَاءَ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ غَدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؛ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ الْعَصْرِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، وَهُمْ نَحْنُ؟ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً؟ فَقَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا؛ قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» .
وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَيْضًا الْمَأْثُورُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذَا؛ وَفِيهِ «أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُمْ قَالَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا إلَى حِينِ صَلَاةِ الْعَصْرِ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ؛ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ؟» .
فَقَالَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: لَوْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ يَخْرُجُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ظِلِّ الْمِثْلِ، وَيَدْخُلُ حِينَئِذٍ وَقْتُ الْعَصْرِ -: لَكَانَ مِقْدَارُ وَقْتِ الْعَصْرِ مِثْلَ مِقْدَارِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute